الانفاق

اشتهر "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" من خلال بعثة بريطانية خلال الفترة ما بين 1867 و1870 بالقيام بحفريات في نحو عشرين موقعا في فلسطين، بهدف البحث عن بقايا الهيكل المزعوم، خاصة في القدس وجوار المسجد الأقصى.

وفي محاولة لإيجاد دليل أو بقايا دليل على الأرض الموعودة والهيكلين الأول والثاني تركزت أهم هذه الحفريات حول المسجد الأقصى من الجهة الغربية، والجوار القريب الجنوبي أو ما تسمى بلدة سلوان.

ويعد المهندس الكولونيل تشارلز وارن من أبرز علماء الآثار الذين قاموا بتلك الحفريات، وكان هدفه منصبا على منطقة المسجد الأقصى، وأهم ما حفره -بحسب ما كشف عنه في كتابه "كنوز القدس" في عام 1871- كان آبارا مائية متصلة في نبع سلوان، ثم قام بحفريات عمودية وأنفاق أفقية نحو جدران المسجد الأقصى في الجهات الشرقية والجنوبية والغربية، وقد كشف عن نفق قريب من باب السلسلة أحد أبواب الأقصى.

وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك حفريات للأب فنسنت، وأخرى في عهد الاحتلال البريطاني، وحفريات ألمانية، وكذلك في الفترة الأردنية، وأشهرها حفريات كاثلين كنيون في منطقة تلة سلوان.

ومباشرة بعد وقوع شرقي القدس والأقصى والبلدة القديمة تحت الاحتلال انطلقت الحفريات الإسرائيلية، وكان أولها هدم حي المغاربة غربي المسجد الأقصى وحائط البراق، وتدمير آثار وعقارات عربية وإسلامية عريقة.

ومن ثم في نهاية 1967 وبداية 1968 بدأت حفريات كبيرة جنوب الأقصى وغربه وصلت إلى عمق 14 مترا كشفت عن بقايا آثار القصور الأموية، ومنها الحجارة العملاقة.

تواصلت الحفريات في كل الجهات المحيطة بالمسجد الأقصى فوق الأرض وتحتها، وهنا نركز على الحفريات تحت الأرض، وبالذات التي تشكل من خلالها الأنفاق الأرضية.

 حفرية تلة باب المغاربة:

جرت هذه الحفرية على خلفية إزالة التلة المتبقية من حارة المغاربة، والتي تقود من ساحة البراق إلى الحرم الشريف، وهذه الحفرية تهدف إلى إزالة الآثار التي تعوق إدارة حائط المبكى عن توسيعه وتوسيع الساحة التي تقع أمام حائط البراق،وإلى تأمين مدخل أفضل لقوات الأمن الإسرائيلية من ناحية لوجستية للوصول إلى الحرم الشريف بما في ذلك دخول المركبات العسكرية إليه. وقد أثارت هذه الحفريات حفيظة جهات كثيرة، فلسطينية وعربية وإسلامية، وكذلك حفيظة الجهات المتعددة ذات العلاقة بالتراث الثقافي، واتخذت أبعاداً مهمة جدا،ً إذ شُكلت لجنة دولية برئاسة اليونسكو للتداول في الأمر.

ونتيجة ردات الفعل هذه، توقف العمل في هذه الحفريات بانتظار المصادقة على اخملططات الضرورية، ونحن لا نعرف مصير الموقع بعد، لكن الجدل في إسرائيل لم يتوقف، وقد جرى التدخل المكثف في الموضوع من جانب وزراء وأعضاء كنيست وعلماء آثار إسرائيليين، وذهبت المواقف تجاه هذه الحفريات اتجاهات شتى. لكن من المهم القول إنه كان يُفترض بسلطة الآثار في إسرائيل، ومن ناحية موضوعية، أن ترفض أي أعمال لتغيير المشهد هناك، وذلك بسبب هشاشة الوضع ليس من ناحية سياسية فحسب، بل من ناحية أثرية أيضا،ً إذ إن هذه التلة شاهد تاريخي على طبقات أثرية مرت بالمنطقة، كما أنها مرتبطة عضوياً بواحد من أهم المعالم الحضارية في القدس، أي الحرم الشريف.

لكن سلطة الآثار، بدلاً من ذلك، سارعت إلى تنفيذ اخملطط الاستيطاني وبسرعة خيالية، مسخرة لذلك إمكانات هائلة. وهناك عدة مخططات مطروحة للنقاش من أجل معالجة نتائج هذه الحفرية، وضمنها بناء جسر معدني أو زجاجي أو أسمنتي، في حين يصر الجانب الفلسطيني والأردني على إعادة التلة إلى سابق عهدها،وعدم إزالة ما تبقى منها .

حفريات ساحة حائط البراق:

إن الحفريات في الطرف الغربي لساحة البراق مستمرة، وهي تثير الخوف من توسيع هذه الساحة فوق الأرض وتحتها، وذلك على حساب باقي البلدة القديمة. وكشفت هذه الحفريات عن نتائج كانت متوقعة مسبقا،ً وهي الطريق الرومانية من باب العمود في اتجاه طريق الواد (كاردو ديكامانوس)، والواضحة المعالم في خريطة مأدبا التي تعود إلى نهاية القرن السادس الميلادي. ولقد تم الكشف عن قطعة طويلة من هذه الطريق، كما اكتُشفت فوقها مبان بيزنطية وأموية وصليبية وأيوبية ومملوكية، وكذلك جزء من مباني حارة المغاربة المدمرة. ويعود سبب القيام بهذه الحفريات إلى طلب تقدمت به إدارة حائط المبكى من أجل إنشاء قاعة متعددة الأغراض ومراكز خدمات إضافية. ولا ندري ما هو مصير المكتشفات المهمة في هذا الموقع، لكن من المفترض، كون البلدة القديمة تقع على لائحة التراث العالمي للمواقع التاريخية، أن يتم منع جميع أشكال البناء فيها،وهذا هو المطبق على السكان الفلسطينيين.

حفريات النفق الغربي:

وهو النفق الذي يقع على امتداد الجدار الغربي للحرم الشريف. إن الحفريات هنا مستمرة بلا توقف،وهي تتجه غالباً في اتجاه الغرب، لكننا في حقيقة الأمر لا نعرف كثيراً عن مساراتها، إذ لا يُعلن إلاّ تلك التي تتجه غربا،ً مبتعدة عن الحرم الشريف، أمّا الحفريات التي تتجه شرقا،ً في اتجاه الحرم، فلا ندّعي أننا نعرف عنها شيئا،ً وأخطر ما فيها أننا لا نعرف. ويمكن الاستدلال أحياناً على مساراتها عبر متابعة الأصوات المنبعثة من تحت الأرض، لكن من دون التأكد من الصورة الشاملة. والمعطيات المتعددة التي ترد إلى المهتمين من سكان البنايات التي تقع أعلى الأنفاق، تشير إلى اتجاه هذه الأنفاق في اتجاهات متنوعة تحت البلدة القديمة، ونحن لا نستطيع إعطاء المزيد من المعلومات عنها، لأننا نفتقر إلى الوقائع الواضحة، لكن يمكن أن نشير إلى أنه تم ربط أسفل كنيس أوهِل يتسحاق (الواردأدناه) بنفق يقود من الغرب إلى الشرق ليلتقي بنفق الجدارالغربي

حفريات كنيس أوهِل يتسحاق:

يبعد هذا الكنيس عن المسجد الأقصى نحو خمسين متراً غربا،ًويقع إلى الجنوب من حمام العين الواقع على طريق الواد. وقد جرى في العام الماضي بناء هذا الكنيس بارتفاع طبقتين فوق عقار جرت مصادرته في سبعينيات القرن الماضي، وتم الانتهاء من بناء الكنيس وتدشينه في سنة .2008 أمّا فيما يتعلق بأسفل الكنيس الذي يسمى "أوهِل يتسحاق"، فإن أعمال الحفر بدأت تحت مستوى المبنى، ووصلت الآن إلى مستوى يزيد على عشرة أمتار، وهي لمّا تنته بعد، بينما جرى الحفر في المنطقة التي تقع خلف الكنيس المذكور (حوش الزربا) إلى أعماق تزيد على 12 مترا،ً بحيث رُبطت هذه المنطقة بالنفق الغربي الذي يمتد على طول الجدار الغربي للحرم الشريف. إن النيات المعلنة بشأن هذه الحفريات تقول إنها ربما تصل إلى 20 متراً تقريبا،ً وهدفها إنشاء متحف لطبقات القدس الأثرية. وقد أدت هذه الحفريات إلى تشقق كثير من المباني في المنطقة، وإلى انهيار الطريق المؤدية إلى حوش الزربا، علماً بأن المباني آهلة بكثافة. ويذكر أن نتائج الحفريات التي وصلت إلى الطبقة الصخرية تمخضت عن اكتشاف طبقات أثرية تبدأ من الفترة الرومانية وتنتهي بالفترة العثمانية، كما تم اكتشاف قاعة ضخمة (27.8م × 10.3م) كانت، على أغلب الظن، جزءاً من خان تنكز (مملوكي)، الذي يقع إلى الشمال من هذا الموقع. وبالتالي جاءت نتائج الحفريات بدفعة إضافية لمشروع التنقيب الأثري هنا، إذ اكتسب المستوطنون موقعاً إضافيا،ً عبارة عن قاعة واسعة متعددة الإمكانات والاستعمالات، وتم وصل هذا كله بالنفق الغربي الممتد على الجدار الغربي للحرم الشريف، أي تم ربط الموقع بساحة البراق، بحيث تشكل وحدة متكاملة. ولا يدّعي المستوطنون ملكية المبنى فحسب، بل أيضاً ملكية كل ما يمكن أن يتم اكتشافه تحت الأرض. وعلى الرغم من أن المباني الواقعة فوق الأرض هي أملاك خاصة ووقف إسلامي، إلاّ إن المستوطنين، وبدعم من سلطة الآثار الإسرائيلية وطبعاً بلدية القدس، يتصرفون كمالك حصري. ومن الجدير بالذكر أن الحفريات في هذه المنطقة أدت إلى تصدع كثير من البيوت الواقعة فوق الأنفاق التي يتم حفرها، وهي بيوت آهلة بكثافة، ومع ذلك فإن الحفريات لم تنته بعد، ولا نعرف بالضبط إلى أي اتجاه ستتجه، وما قد تنتجه من المشاريع الاستيطانية الإضافية في هذه المنطقة الحساسةوالتي تقع في قلب الصراع .

حفريات بيت هتسلاّم (بيت شارون):

تقع هذه البؤرة الاستيطانية في المنطقة الشمالية من طريق الواد، إلى الشمال من النزل النمساوي. ونحن لا نعرف شيئاً عن الحفريات الدائرةفيها، لكن من المعتقد أنها تتم في اتجاهين، الأول إلى الشمال في اتجاه المغارة (مغارة سليمان/ مغارة الكتان) الواقعة قريباً من باب العمود، خارج الأسوار، وذلك لربط الموقعين أحدهما بالآخر، أمّا الاتجاه الثاني فنحو الجنوب، حيث سيتم ربط الموقع بكنيس أوهِل يتسحاق المذكور، وبالتالي بالنفق الغربي وساحة البراق. ويتضح من خلال هذا المشروع العمل الدؤوب لربط البؤر الاستيطانية من تحت الأرض،والسيطرة على مزيد من المساحات داخل البلدة القديمة .

حفرية أرض الصبرة:

تقع هذه الأرض/الخربة في الجزء الجنوبي لسوق الخواجات، والذي تهدم، على أغلب الظن، في القرن التاسع عشر نتيجة زلزال، ولم تتم إعادة بنائه. وقد استولى المستوطنون على الأرض، وهم يقومون الآن بإجراء الحفر فيها تمهيداً للبناء عليها توسيعاً للمستعمرات القائمة في عقبة السرايا. وباستخدام أسطح مقالات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ،20 العدد 79 (صيف 2009)، ص 39 5 الدكاكين (سوق العطارين واللحامين والخواجات) يتم ربط هذه المستعمرة بحارة اليهود. وتقوم سلطة الآثار الإسرائيلية بإجراء الحفريات تمهيداً لتسليمها إلى المستوطنين من عطيرت كوهانيم .

حفريات برج اللقلق:

هذه المنطقة عبارة عن أرض واسعة تقع في الزاوية الشمالية الشرقية للبلدة القديمة، وتقوم على جزء من هذه الأرض جمعية برج اللقلق اجملتمعية التي تقدم خدمات ثقافية ورياضية وصحية لأحد أفقر أحياء البلدة القديمة. وليس بعيداً من هذه الأرض توجد بؤرة استيطانية. وتتعرض هذه الأرض منذ أعوام للضغط الاستيطاني الذي يواجَه بمقاومة سكان الحي من الفلسطينيين. وقد تقدمت الجمعيات الاستيطانية بطلب ترخيص بناء 36 وحدة سكنية بالإضافة إلى كنيس تعلوهقبة ذهبية، فحضرت سلطة الآثار الإسرائيلية إلى الموقع لحفرهقبل السماح للمستوطنين بالبناء. ولم تعترض سلطة الآثار على مبدأ البناء في الموقع الذي يقع مباشرة تحت السور التاريخي، وفي منطقة حيوية جداً تشكل متنفساً للحي المكتظ جداً بالسكان، وإنما قامت بحفره، ذلك بأن نتائج الحفريات دلت على استخدام مكثف للموقع في الفترتين الرومانيةوالمملوكية،وبالتالي، لا يمكن ربط الموقع بأي شيء له علاقة بالتاريخ اليهودي، الأمر الذي أدى إلى موافقة هذه السلطة على السماح بالبناء على الموقع. ولم يتم تنفيذ المشروع بعد لإشكالات متعددة لها علاقة بملكية الأرض وباحتجاج بعض علماء الآثار الإسرائيليين على الفكرة، وقد وُضع الموضوع على الرف لفترة معينة، ولا أستغرب إعادة فتحه مجدداً خلال الفترة المقبلة، وخلال فترة الحكومة الحالية الداعمة للاستيطان بشكل كبير. مرة أُخرى يتضح من هذا المثال أن الاستيطان وسلطة الآثاروالبلدية تجتمع كلها على جدول الأعمال نفسه .

أنفاق حارة الشرف/اليهود:

لقد أُعلنت مخططات لشق المزيد من الأنفاق التي تربط هذه المنطقة بساحة البراق، لكننا لا نعرف تفصيلات هذه الأعمال بعد.

الحفريات خارج الأسوار بالقرب من البلدة القديمة (ما يسمى الحوض المقدس)

حفرية ما يسمى موقف سيارات غفعاتي:

تقع هذه الأرض على بعد خمسين متراً من السور الجنوبي للقدس، بالقرب من الحرم الشريف، وتبلغ مساحتها 10 دونمات تقريبا.ً والحفريات تجري في الموقع منذ أكثر من عامين، وقد كشفت حتى الآن عن قبور إسلامية (أكثر من 100 جثة)(16) ومبانٍ أموية ضخمة،(17) ومن المعتقد أن هذه المنطقة كانت جزءاً من اجملمع الإداري (دار الإمارة) الأموي، والذي بُني في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن الميلادي. كما تم اكتشاف حارة عباسية في الموقع، الأمر الذي يضفي على الموقع درجة عالية من الأهمية العلمية،(18) إذ إن الفترة العباسية غير ممثلة بشكل جيد في المدينة. ولم يتم الكشف عن أبعاد هذه الحفريات بعد، لكن من خلال ما يستشف من معلومات، فإنه سيُبنى في الموقع قاعة ضخمة للمستوطنين ومركز تسوق ومواقف للسيارات، كما من الممكن ربط الموقع عبر نفق بساحة البراق من الشمال، في حين يمكن ربطه بعين سلوان من الجنوب. وتقوم جمعية "إلعاد" الاستيطانية بتمويل الحفريات منذ سنة ،2007 وهذه الحفريات تكلف الملايين من الدولارات نظراً إلى وصولها إلى أعماق كبيرة. ويذكر أن مركز معلومات "مدينة داود"، والذي تديره الحركة الاستيطانية نفسها، يقع في الجهة المقابلة للحفرية، وهو ما يؤكد ترابط هذه الحفرية بالمشروع الاستيطاني في سلوان .

حفريات أرض صيام:

تقع هذه الأرض على بعد 150 متراً تقريباً إلى الجنوب من السور الجنوبي للقدس في وادي حلوة، في منطقة تنشط فيها حركة الاستيطان، ويتم فيها الحفر في اتجاه الشمال عبر نفق روماني كان يُستخدم لإسالة مياه الأمطار الزائدة من البلدة القديمة في اتجاه الجنوب (وادي حلوة، ومن ثم إلى وادي النار).

وقد تم حفر بضع عشرات من الأمتار في اتجاه الشمال حتى الآن، لكن الحفريات لم تنته بعد. ومن الجدير بالذكر، أن الحفريات تمت من دون إذن سلطة الآثار، وحين أثار بعض الصحافيين الإسرائيليين هذا الموضوع قامت سلطة الآثار بإصدار التراخيص الضرورية، من دون وقف الحفرية، ولا تقديم حركة "إلعاد" إلى المحكمة كما جرت العادة مع الفلسطينيين.

أمّا مسار الحفرية فيقع تحت بيوت سكان المنطقة، وكذلك تحت الشارع العام. لقد اعتبرت "إلعاد" نفسها مالكة لما تحت الأرض، وهي تتصرف كأنها حكومة، فلا شيء يتم بالسر، ذلك بأن الحكومة والبلدية وسلطة الآثار هي أذرع للكائن نفسه. لقد خسر سكان المنطقة القضية التي رفعوها ضد هذه الحفرية التي تجري تحت بيوتهم،ومن دون إذنهم، الأمر الذي يؤكد أيضاً ترابط الجهاز القضائي في إسرائيل مع هذا المشروع.

حفريات عين سلوان:

يجري الحفر في عين سلوان في ثلاثة مواقع: شمالي العين، وجنوبي العين، وعند بركة سلوان. والعمل مستمر بتمويل من الجمعيات الاستيطانية بهدف ربط عين سلوان بنفق يمتد شمالاً في اتجاه مقالات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ،20 العدد 79 (صيف 2009)، ص 39 6 الحفرية السابقة (أرض صيام)، وفي اتجاه الحرم الشريف. ويمكن فهم النشاطات الأثرية في هذه المنطقة ضمن خطة استيطانية من جهة، وضمن مشروع إنشاء مدينة أثرية يهودية من جهة ثانية يتم عبرها إعادة تركيب تاريخ القدس بناء على الرواية الاستيطانية التي تُعتبر أكثر تطرفاً وأحادية الجانب مقارنة حتى بالرواية الرسمية. لقد أدت الحفريات في هذه المنطقة إلى انهيارات في الطريق العام، وإلى تشققات في بعض المنازل، ولا تتوافر هنا معلومات كافية عن الحفرية من أجل التوصل إلى نتائج علمية في شأن المكتشفات.

حفريات تلة الضهور (مدينة داود):

ما زالت أعمال الحفر مستمرة في هذا الموقع، ولا جديد في ذلك، لكن أعمال التأهيل تتم على يد المستوطنين الذين أنشأوا على طرف الموقع مبنى دعائياً يركّب تاريخ القدس بشكل انتقائي ومثير للجدل حتى بين علماء الآثار الإسرائيليين. فالموقع يتضمن عرضاً بالصوت والصورة لتاريخ التلة وعلاقتها باليهود، كما أن المستوطنين يقومون بتسيير مرشدين سياحيين في الموقع يقدمون الصورة ضمن منهج واضح. ويتمركز آخر الحفريات حول العين (عين أم الدرج) حيث يتم الكشف عن أبراج دفاعية تعود إلى العصر البرونزي الوسيط (الفترة الكنعانية).

حرب الأنفاق

ظاهرة الأنفاق ليست بجديدة في مدينة مثل القدس تحتوي على كثير من الطبقات الأثرية، ومن المباني المتراكم بعضها فوق بعض، كما أن طوبوغرافيا المدينة أدت دوراً مهماً في تشكيل الأنفاق.

وهناك أنواع متعددة من الأنفاق :

1. منها ما جاء نتيجة بناء جسر بين منطقتين مرتفعتين بينهما واد، وقد تراكمت فيه الأتربة على مر العصور ونُسي أمره إلى أن اكتُشف في إحدى الحفريات التي تمت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر .

2. النوع الثاني من الأنفاق جاء نتيجة التمديدات الصحية لإزالة مياه الأمطار أو المياه المبتذلة، أو حتى لجر وتوزيع المياه العذبة، إذ رُبطت المدينة على مر العصور بشبكات من هذه التمديدات التي نُسي أمرها بعد التمديدات الحديثة،وقد جرى إعادة اكتشافهاقديماً أو حديثاً .

3. ثمة أنفاق جاءت نتيجة رفع مستوى المباني، وخصوصاً في المنطقة المحيطة بالحرم الشريف، ويمكن اعتبار النفق الذي فُتح على امتدادالجدار الغربي للحرم الشريف ضمن هذه اجملموعة .

4. هناك أنفاق يجري حفرها من جديدولم يكن لها أصل تاريخي، مثل مخطط ربط حارة اليهود بساحة البراق، أو مخطط ربط مغارة سليمان ببيت شارون

وأشهر الأنفاق التي تم حفرها في القدس، هي

النفق الغربي:

يقع النفق على امتداد الحائط الغربي للحرم الشريف، وهو يبدأ بأسفل المدرسة التنكزية اجملاورة لما هو مكشوف من الجدار الغربي للحرم من الجهة الجنوبية،ويستمر حتى الزاوية الشمالية الغربية للحرم عند باب الغوانمة، ويتجاوزها في اتجاه الشمال. ويبلغ طول النفق (من عند الزاوية الشمالية لحائط المبكى) 330 متراً على طول الجدار الغربي، ويمتد بعدها نحو 35 متراً إلى شمال الحرم الشريف، ثم ينحرف إلى الشرق 16 متراً تقريبا،ً ليفتح على طريق الآلام تحت المدرسة العمرية. وسمي النفق إسرائيلياً نفق الحشمونيين،(21) وذلك لوجودقناة ماء في الجزء الشمالي من النفق بطول 35 متراً تقريبا،ً تبدأ أسفل مدرسة راهبات صهيون حيث بركة تجميع للمياه يعتقد أنها بُنيت خلال الفترة المذكورة.

أمّا بقية أجزاء النفق فعبارة عن أساسات المباني المملوكية المبنية فوقها، بالإضافة إلى أجزاء تعود إلى الفترة الصليبية أو الأيوبية، وخصوصاً في بداية النفق الجنوبية. ولم يجر اكتشاف شيء يعود إلى فترات أُخرى إلاّ بلاطتين تعودان إلى فترة الملك هيرودوس، ولا نعرف إن كانتا جزءاً من طريق مبلطة، أوأنه أعيد استخدامهما في الموقع خلال فترات لاحقة . ومن الجدير بالذكر، أن أجزاء من النفق معروفة منذ القرن التاسع عشر. ويشكل هذا النفق أساسات الأبنية المملوكية التي تقع على امتداد الجدار الغربي للحرم، إذ قرر المماليك رفع مستوى الأبنية المتصلة بالحرم من الجهة الغربية إلى مستوى ساحات الحرم.

وبما أن المنطقة الغربية للحرم تنحدر غرباً لتشكل وادياً عميقاً (تسمى المنطقة حتى اليوم طريق الواد)، كان لا بد من رفع المباني على دعامات وتسويات شكلت سلسلة من الغرف والممرات التحت أرضية، بعضها مملوء بالتراب والبقايا المعمارية على مر العصور، وبعضها الآخر جرى استعماله آباراً لتجميع مياه الأمطار للأبنية الواقعة أعلاه. وبعد سنة ،1967 بدأت أعمال الحفر (ولا سيما في المنطقة الشمالية من النفق حيث جرى حفر الصخر لتشكيل مخرج شمالي للنفق) والتنظيف، ليجري افتتاحه على يد بنيامين نتنياهو في مقالات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ،20 العدد 79 (صيف 2009)، ص 39 7 ،1996/9/23 مطلقاً بذلك ما اصطُلح على تسميته انتفاضة النفق. كما أنه من المفيد معرفة أن أجزاء من النفق لا يبلغ عرضها أكثر من 60 سم،وهو ما يعني أن الزائر يجب أن يسير في اتجاه واحد (حالياً من الجنوب إلى الشمال)، وبالتالي، فإنه في حال إغلاق اخملرج الشمالي (تحت المدرسة العمرية)، فهذا يعني أن النفق سيشل من ناحية سياحية . كما يجب التذكير بأن النفق يتفرع تحت الأرض إلى عدة أنفاق ثانوية لا نعرفها جميعها بسبب عدم فتحها أمام الزوار، وبعضها يتجه صوب الحرم الشريف (أي في اتجاه الشرق)، وبالتالي، فإن الحديث عن "النفق" لا يكفي، إذ يتعين علينا أن نأخذ تلك التفرعات بعين الاعتبار.(22) لقد أدت بداية الحفريات في النفق في مطلع السبعينيات إلى تشققات وانهيارات في عدد كبير من المباني المملوكية الواقعة أعلاه، علماً بأن بداية الحفريات تمت على يد المستوطنين، كما أن إدارة الحائط الغربي هي من دون إشراف أثري أو هندسي. وهذه المسألة لم تنتهِ حتى الآن في كثير من المواقع في البلدة القديمة

نفق عين سلوان:

يقع هذا النفق تحت الجزء المسمى "مدينة داود" في سلوان، وقد اكتشفته عالمة الآثار إيلات مازار، وهي صهيونية متعصبة جدا،ً وكتاباتها تفتقر، حتى بين علماء الآثار الإسرائيليين إلى الصدقية العلمية، كما أنها هي التي قامت بإثارة اللغط بشأن حفريات المصلى المرواني، وأنشأت جمعية للدفاع عن "جبل الهيكل". وأعلنت هذه العالمة اكتشاف النفق في سنة ،2008 وأعادت تاريخه إلى القرن العاشر قبل الميلاد، أي إلى فترة الملك داود، مع أن أحداً لا يستطيع الجزم بدقة التاريخ، حتى إن الباحثة نفسها قدمت اكتشافها هذا بشكل حذر. لقد جرى حتى الآن الكشف عن نحو 50 مترا،ً والعمل جار في النفق من عين سلوان في اتجاه البلدة القديمة،(23) فالنفق سيستعمل لربط "مدينة داود"، بمشاريع مياه سلوان، وبحائط البراق، وسيساهم في توسيع نفوذ المستوطنين، كما سيؤدي إلى بلورة رواية صهيونية متكاملة عن تاريخ القدس

نفق وادي حلوة:

يقع النفق على طول طريق وادي حلوة، وهو يربط بين سلوان والبلدة القديمة، ويطلَق عليه اسم "مطلع داود"، وقد انتشرت المستعمرات على امتداد هذه الطريق، وذلك بعد السيطرة على 15 مبنى تقريبا.ً ويهدف المشروع الاستيطاني هنا إلى تفريغ وادي حلوة كله من السكان، وإلى ربط عين سلوان بطريق تقود من باب المغاربة في سور القدس عند جدار الجامع الأقصى الجنوبي إلى عين سلوان ومنطقة البستان، وهذه الطريق مركز حركة مرور مكثفة لسيارات ومشاة. وقد بدأ الحفر في النفق في سنة 2004 تحت خيمة محروسة بشكل سري،ونحن لا نعرف إلى أي مدى تم الحفر، لكن مرور خمسة أعوام على الحفر، ومشاهدة كمية كبيرة من الشاحنات التي تنقل التراب المستخرج من النفق، يدلان على المدى الذي جرى قطعه. وعلى أغلب الظن، فإن هذا النفق كان مجرى للمياه المبتذلة من البلدة القديمة في اتجاهوادي حلوة،ومن ثم إلى وادي النار . أما أخطر ما في الأنفاق فهو عدم معرفتنا اخملططات، لأن العمل فيها يظل في قيد الكتمان، فضلاً عن عدم السماح لأصحاب العقارات، أو محاميهم، أو حتى للصحافيين، بالاقتراب منها، ليس حرصاً على سلامة الجمهور كما هي الحال في الحفريات الخطرة، وإنما حفاظاً على سرية المشروع. لقد ارتبطت الأنفاق في البلدة القديمة ومحيطها بالحركات الاستيطانية، الأمر الذي يدل على ارتباطها بمشاريع الاستيطان

إن المعلومات المذكورة أعلاه توضح مدى الهجمة الاستيطانية التي تتركز في البلدة القديمة والمنطقة المحيطة بها، وذلك في محاولة لحسم الوضع على الأرض ومن طرف واحد. وتأخذ الحملة المظاهر التالية

• استخدام الحفريات الأثريةذريعة للتدخل والسيطرة،فبعد الآثار يأتي الاستيطان .

• تكثيف عمليات الاستيطان في كل من رأس العمود،وسلوان،ووادي حلوة،والشيخ جراح،وطبعاً البلدة القديمة .

• طردالفلسطينيين من سلوان،وحي البستان،والشيخ جراح .

• هدم المنازل في المناطق المستهدفة استيطانيا.

الأهداف

بشكل عام هدف الحفريات والأنفاق هو البحث عن بقايا أثرية يهودية قد تشكل دليلا أو شاهدا على وجود تاريخ لليهود في القدس، ولكن وجه الخصوص هو البحث عن بقايا وأدلة على وجود الهيكل الأول أو الثاني، لنسج رواية استعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم.

كما تهدف سلطات الاحتلال إلى استحداث تاريخ عبري موهوم عبر ادعاء ربط الموجودات الأثرية في الفترة العبرانية بالقدس.

أما الهدف الآخر فهو طمس وتدمير الآثار الإسلامية والعربية العريقة التي تشكل الدليل الحقيقي على الحضارة والعربية والإسلامية العريقة في القدس.

كما تعمل السلطات الإسرائيلية على استجلاب باقي اليهود إلى الأرض الموعودة، وربط السياح الأجانب بهذه الأرض، خاصة المسيحيين، إضافة إلى بناء مدينة يهودية تاريخية، عوضا عن عدم العثور على بقايا وأدلة على الهيكل المزعوم.

مخاطر وتبعات

أدت الحفريات إلى تدمير ممنهج لكثير من الآثار فوق الأرض وتحتها، وهدم طبقات أثرية من كل الفترات (العربية، ثم الإسلامية، من الأموية وحتى العثمانية).

كما أدت إلى إحداث تشققات وهدم في جدران وأرضيات ومباني المسجد الأقصى، ومباني القدس القديمة، وسلوان، في محاولة لتهويد محيط الأقصى وتغييب المعالم الحضارية، خاصة العليا والعملاقة.

كما ينتج عن هذه الحفريات تثبيت السيطرة على الأرض، ما فوقها وما تحتها، وتحويلها الى منشآت استيطانية تهويدية تخدم المشروع الصهيوني، حيث باتت كثير من الأنفاق تحتوي على كنس يهودية ومزارات توراتية تلمودية.