تهويد البلدة القديمة

 يعيش المقدسيون صراعاً بشأن الوجود يعيش والهوية والدين في البلدة القديمة من القدس في ظل حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي لهم في منازلهم ورزقهم بأشكال عدة.

ويقدر عدد المقدسيين داخل البلدة القديمة ب ۳۳,۰۰۰ شخص، في مقابل ٤٠٠٠ مستوطن يعيشون داخل أسوارها، وذلك بحسب إحصائية لمركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وتعتبر الكثافة السكانية للبلدة القديمة مرتفعة بالنسبة إلى عدد السكان ومحدودية المساحة.

على امتداد سنوات الاحتلال الماضية، اعتمدت السلطات الإسرائيلية العديد من المخططات الرامية لفرض سيطرتها الكاملة على مدينة القدس، وسارعت بتنفيذها، بعد أن قامت بضم المدينة واعتبارها "عاصمة إسرائيل الأبدية". ولا تزال هذه السلطات تواصل نهجها التهويدي، في مختلف الميادين، سواء داخل البلدة القديمة (الواقعة ضمن الأسوار)، أو في نطاق محيطها الواسع المسمى "القدس الكبرى".

فعلى صعيد محاولات تهويد الحرم القدسي، تنتمي إلى الوقائع المتراكمة في هذا الشأن تفصيلات تكاد لا تحصى، لكنها تلتقي جميعاً عند هدف واحد هو تهويد المدينة المقدسة وطرد الفلسطينيين منها. وهذا التوجه لا يقتصر فقط على الأحزاب اليمينية المتطرفة، النشيطة في هذا المنحى، فهناك أيضاَ عشرات الحركات والهيئات الأكثر تطرفاً التي تشكل قوى رديفة لهذه الأحزاب. وبينما تستمر الحفريات في محيط المسجد الأقصى وبجواره مهددة أساساته وجدرانه وأعمدته وسقوفه، وتتصاعد الأعمال الاستفزازية التي ترتكبها الجماعات اليهودية المتطرفة، ولاسيما ما يتعلق منها بمحاولات اقتحام الحرم القدسي، للحصول على موطئ قدم داخله، قررت سلطات الاحتلال مؤخراً فتح الحرم القدسي أمام المتشددين اليهود لإقامة الطقوس التلمودية فيه، وذلك بالتوافق مع صدور بعض التصريحات والمواقف التي تعكس تصاعد وتيرة التحضيرات التمهيدية للإقدام على تدمير الحرم القدسي وبناء الهيكل اليهودي مكانه.

وعلى مقربة من الحرم القدسي، سيطرت إسرائيل على حارة الشرف العربية، وأنشأت فيها "الحي اليهودي". كما استولت على نحو 40% من العقارات في الأحياء الأخرى، وخاصة الحي الإسلامي، وأنشأت فيها عشرات الكُنُس، وزرعت عشرات البؤر الاستيطانية التي تجعل من حياة المقدسيين وتنقلاتهم رحلة عذاب. وفي الوقت ذاته تقوم المجموعات اليهودية المتطرفة بمسيرات استفزازية واعتداءات ضد العرب والمسلمين في أحياء البلدة القديمة وساحة البراق وسواها.

وفي المنطقة الواقعة خارج الأسوار، واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي لأغراض تحددها سلطات الاحتلال، وقامت ببناء المستوطنات والكتل الاستيطانية الكبرى، حتى وصل عددها إلى نحو 20 حياً استيطانياً، كل منها يعتبر "مدينة" متسعة الأرجاء، لتطويق التجمعات العربية والهيمنة على مناطق نفوذها.

كما قامت السلطات الإسرائيلية بعزل القدس عن محيطها الجغرافي – السياسي؛ منطقة الضفة الغربية، عبر بناء جدار الفصل العنصري. وجرى تنفيذ مشروع "غلاف القدس" كجزء من هذا الجدار، وفق ثلاثة مسارات: شمالي وشرقي، وآخر يفصل القدس الشرقية عن محيطها الغربي. وذلك بهدف توسيع حدود بلدية القدس المحتلة وجعلها تسيطر على نحو 18% من مساحة الضفة الغربية، وإكمال الطوق الاستيطاني حول المدينة بدءاً من مستوطنة "هار حوماه" (المقامة في موقع جبل أبو غنيم) مروراً بمستوطنة "معاليه أدوميم" (على أراضي الخان الأحمر) في الشرق، ثم مستوطنة "جفعات زئيف" في الشمال.

وتشكل الحملات الصهيونية المستمرة لهدم مزيد من بيوت المواطنين العرب المقدسيين جزءاً من سياسة التهويد المبرمجة، حيث يؤدي هدم هذه البيوت إلى القضاء على الوجود المادي والارتباط المكاني لأولئك المواطنين بمدينتهم. ويأتي هذا السلوك لصالح الوجود الاستيطاني اليهودي، على نحو مترابط مع مساعي الترحيل والإبعاد وعمليات التطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل في المدينة المقدسة. فقد قامت السلطات الصهيونية منذ الأيام الأولى لوقوع مدينة القدس تحت الاحتلال بقضم "حارة الشرف"، وأزالت "حي المغاربة" بالكامل، وشردت مواطنيه. وشمل الهدم مئات البيوت والمساجد التاريخية التي تشكل تراثاً إنسانياً وحضارياً، ليحلّ محلها بيوت ومنشآت شوهت الطابع التاريخي المميز لمدينة القدس. كما قامت سلطات الاحتلال بتهويد أطر التعليم والقضاء والإدارة وغيرها.

وتم تهجير عشرات الآلاف من العرب المقدسيين من بيوتهم وأراضيهم، في شطري القدس (الغربية التي احتلت عام 1948، والشرقية التي احتلت عام 1967) وفق عملية إحلال سكاني استيطاني يهودي. وفيما تم تهويد القدس الغربية وطرد جميع مواطنيها العرب تقريباً، تبيّن الإحصائيات الفلسطينية، أن عدد الفلسطينيين في القدس يبلغ حالياً نحو 300 ألف نسمة، يشكلون نحو 35% من إجمالي عدد السكان العرب واليهود في المدينة. ولكن إذا ما ضمت إسرائيل رسمياً التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تلتف حول القدس فستصبح نسبة فلسطينيي المدينة نحو 18% من إجمالي السكان، وبالتالي ستحقق إسرائيل جزءاً هاماً من أهداف مخططها الرامي للسيطرة شبه التامة على القدس وتحويل الفلسطينيين إلى أقلية، وذلك بالتكامل مع تهجير الفلسطينيين من خلال سحب الهويات المقدسية وحيازة البيوت.

وقد تفتقت الذهنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة عن فكرة تضليلية أخذت طريقها إلى حيز التطبيق، تتجسد بمصادرة أراضي العرب المقدسيين ومنازلهم لصالح ما يسمى "الحدائق القومية"، التي ترتب عليها تقليص المساحات التي يمكن أن يستخدمها هؤلاء العرب للتوسع العمراني، وصارت تشكل طوقاً خانقاً للتجمعات العربية في منطقة القدس. وعمدت سلطات الاحتلال مؤخراً إلى "خصخصة الحدائق"، لتخدم اليهود حصراً.

ويتضح من المنشورات الإسرائيلية أن هناك ذعراً عاماً من التطورات الديمغرافية، وظل هذا الموضوع حاضراً بقوة في مداولات الأوساط الرسمية والعامة والبحثية، حيث يجري التداول في سبل التخلص من "الخطر الديمغرافي" المحدق بالدولة اليهودية، بهدف حسم مسألة القدس، بمضامينها السكانية والجغرافية والسياسية، عبر العمل على فرض واقع جديد في المدينة، استباقاً لأي تسوية سياسية مستقبلية تتضمن القدس، لجعلها عملياً خارج أي إطار تفاوضي.

وفي سبيل طمس هوية القدس الأصلية، عملت سلطات الاحتلال على تزوير تاريخ المدينة، وأزالت العديد من المعالم الإسلامية والمسيحية والقبور والمقامات، وحددت قبوراً وهمية لليهود في منطقة سلوان وغيرها، وأطلقت على المواقع تسميات عبرية ومنعت استعمال الأسماء العربية في الوثائق ووسائل الإعلام الرسمية.

وبينما يحشد الإسرائيليون أساطير مدججة بالأسلحة والجرافات، ويستدعون من عالم الأوهام والخرافات مقولات ومفاهيم هي بحد ذاتها اعتداء صارخ على الحضارة والإنسانية لتأكيد أحقيتهم التاريخية في المدنية، تثبت نتائج الحفريات التي يجريها الإسرائيليون أنفسهم رسوخ الوجود العربي/الإسلامي في المدينة، ناهيك عن بقاء عشرات المباني ومئات النصوص المحفورة على حجارة القدس، التي تنطق بأصالة هذه المدينة المندمجة في حياة الأمة، بمرتسمات مادية واجتماعية وسياسية، امتداداً إلى التاريخ الحديث والمعاصر.

في ضوء هذه الحقيقة، والتصاقاً بمسار الصراع، يتعين ترسيخ مدينة القدس كرمز ديني وقومي من الدرجة الأولى، بالنسبة للعرب والمسلمين، حيث يشكل الارتباط بالقدس أحد المضامين العقدية والتعبدية في حياة الأمة، استناداً إلى نصوص واردة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، واختصاص القدس بمساحة واسعة من وقائع التاريخ العربي غير قابلة للطمس أو التجاوز.

على هذه الخلفية، يُفترض أن تشكّل القدس محرّكاً روحياً ووجدانياً للمواقف العملية وللاتجاهات السياسية للعرب والمسلمين إزاء قضيتها، مُعبَّراً عنها برفض الاحتلال الصهيوني للمدينة، ومقاومة الإجراءات التهويدية الرامية إلى طمس هويتها وحضارتها الأصيلة.

وعلى الرغم من أهمية الجهود التي بُذلت، ولا تزال تُبذل، عربياً وإسلامياً، فإن هذه الجهود تثبت محدوديتها وقصورها لدرجة العجز عن إنقاذ القدس. وقد أصبح مكرّراً، التذكير بالطاقات العربية والإسلامية التي يجب حشدها لإنقاذ القدس. وتراكمت أكداس من الخطابات والأبحاث والمقالات والمواد الإعلامية المختلفة، وعجّت العواصم والمدن العربية والإسلامية بعقد المهرجانات والمؤتمرات والندوات، لنصرة قضية المدينة، وتدفقت سيول من قرارات الشجب والإدانة لممارسات الاحتلال، وخُصصت مئات ملايين الدولارات لدعم صمود المقدسيين.. ولكن كل هذا وغيره لم يساعد، ولو عائلة مقدسية واحدة، على استعادة منزلها المصادر، ولم يحمل سلطات الاحتلال على إلغاء أي أمر هدم للمنازل العربية، ولم يسفر عن تجميد أي مشروع استيطاني جديد. إن الأمر يحتاج إلى التفكير في استراتيجيات جديدة، وإلى ضغط دولي أكثر فاعلية على إسرائيل، لوقف هذه الممارسات المدمرة لكل فرص السلام.

انتهجت سلطات الاحتلال سياسة هدم وإغلاق المنازل الفلسطينية في القدس، إضافة إلى الأساليب السابقة ولأجل الأهداف نفسها (بحجة البناء بدون ترخيص) وفي أغلب الأحيان لأسباب سياسية، ما أدى إلى إبقاء 21,000 نسمة يعيشون في ظروف معيشية صعبة في القدس إما في كهوف أو أكواخ خشبية أو خيام، وإذا استطاع هؤلاء الأفراد إعادة بناء منازلهم فسيعرضهم ذلك إلى هدمها مرة أخرى، لأن الأراضي التي بنيت عليها أراضى فلسطينية أخضعتها إسرائيل لمناطق تخطيط وبناء للأحياء الاستيطانية أو تعلن عنها مناطق خضراء،فقد أعلنت سلطات الاحتلال عن 86% من أراضى القدس الشرقية العربية إما مناطق استيطان أو أراضٍ خضراء، وأبقت على 14% فقط من المساحة الكلية للتوسع الفلسطيني المقدسي،والتي تم البناء عليها في الغالبية الساحقة.

استكمالاً للإجراءات الإسرائيلية التي تفرضها على المقدسيين من أجل التهجير، عملت بلدية وسلطات الاحتلال على فرض ضرائب عديدة إضافية غير مبررة مع أنها غير قانونية أصلاً طبقاً للقوانين الدولية واتفاقية جنيف باعتبار القدس العربية أراضٍ محتلة.

لقد قامت سلطات الاحتلال بفرض ضريبة "الأرنونا" على المواطنين المقدسيين، حيث أدرج 55% من الفلسطينيين في القدس في سجل دافعي الضريبة، مصنفين من فئة الدافعين من الدرجة الأولى، بالمقابل فإن الحكومة والبلدية تشجيعاً للمستوطنين تقومان بإعفاء المستوطن ممن يرغب في الاستيطان في القدس الشرقية لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك يتم دفع شيء رمزي عن كل سنة، في حين يدفع الفلسطينيون 26% من إجمالي مبلغ الضريبة المدفوعة في القدس بشطريها، وبالمقابل لا تصرف  منها على المناطق العربية سوى أقل من 5%. بالإضافة إلى ممارسات أخرى عديدة نذكر منها الطوق العسكري المفروض على القدس والذي بموجبه يمنع دخول فلسطينيي الضفة وغزة إلى القدس بدون استصدار تصريح خاص من الإدارة المدنية العسكرية الإسرائيلية، حيث أقيمت على مداخل ومعابر القدس حواجز عسكرية ثابتة ونقاط تفتيش، وبموجب أوامر عسكرية تمٍ تقليص عدد الفلسطينيين الزائرين للمدينة إلى أدنى حد، حيث ضربت هذه السياسة الوجود الفلسطيني في القدس، إذ استطاعت عزلها وتحويلها إلى كنتون فلسطيني صغير يتعرض لكافة الضغوط ناهيك عن التأثير الاقتصادي السلبي على الفرد والمؤسسات الاقتصادية، عدا التأثيرات المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والتعليمية التي وصلت أدنى حد لها.

تُجري سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوتيرة متسارعة، تغييرات جوهرية على معالم البلدة القديمة من القدس المحتلة، خصوصاً في منطقة باب الخليل وميدانها الرئيس المعروف بساحة عمر بن الخطاب، والذي يشكل واحداً من أهم المراكز السياحية في المدينة. وتوجد هناك مجموعة من الفنادق وعدد كبير من المتاجر السياحية التي كانت حتى وقت قريب تستقبل أفواجاً كبيرة من السياح الأجانب.

محاولات أسرلة الوجه الفلسطيني للبلدة القديمة

بدأت بلدية الاحتلال الإسرائيلي بتغيير أسماء بعض الحواري والأزقة في البلدة القديمة واستبدالها بأسماء جديدة، فهي خطة مدروسة من الاحتلال لتزوير التاريخ الفلسطيني ومسح معالمه وتراثه ولغته وثقافته، لإضفاء الشرعية على وجوده في فلسطين ونفي الرواية الفلسطينية وتوثيق الرواية الإسرائيلية في التاريخ.

غياب المخططات العمرانية

هذه إحدى المشاكل التي يواجهها سكان أهالي البلدة القديمة الذين يعانون من قدم المباني داخلها وعدم إمكانية بناء أو تجديد المساكن، إضافة إلى الاكتظاظ السكاني الهائل وتكاليف البناء الباهظة جدًا التي تعيق بالتالي من تطورها العمراني.

مصادرة الأراضي والاستيلاء على ممتلكات أهالي المدينة القديمة

خلال السبع السنوات الأخيرة تم تسريب نحو 60 منزلاً للمستوطنين، مما أدى إلى ارتفاع عددهم 60%، وفي نهاية عام 2016، وصل عدد المستوطنين الساكنين في منازل الفلسطينيين إلى 5 آلاف مستوطن من أصل 220 ألفًا في جميع أنحاء المدينة المحتلة.

تضييق على التجار والأسواق الشعبية

اعتادت أسواق المدينة الانتعاش المرهون بزوار أحيائها ومحلاتها التجارية من جميع أنحاء المدن الفلسطينية - الضفة الغربية وأراضي 48 المحتلة - ولكن مع بناء جدار الفصل العنصري عام 2004 انقطع تدفق الناس والبضائع بسهولة - يعتبرون رأسمال هذه البلدة - إلى هذه الأسواق مما قلل من حجم القوة الشرائية.

فهذا الجدار يعتبر حاجزًا سياسيًا أمام 120 ألف مقدسي أي ثلث سكان القدس، هذا إلى جانب منافسة السوق الإسرائيلية التي تحظى باهتمام حكومي ودعم الشركات العالمية التي تأمن لها التسهيلات وتقلص من هامش الخسارة لديها.

بنى تحتية متهالكة

وعدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي المحكمة العليا بالالتزام بتخصيص ميزانيات لمتابعة شؤون الأحياء الواقعة داخل السور عام 2005 عندما أرادت بناء جدار الفصل العنصري، لكنها لم تف بهذا الوعد، فنسبة ما تقاضته البلدة القديمة عام 2015 لم يتجاوز الـ0.001% من ميزانية البلدية، هذه القيود والمضايقات كانت كفيلة بخلق أزمة حقيقة داخل البلدة، مما دفع البعض للبحث عن بديل خارج السور لفقر الإمكانات وفرص التطوير الموجودة.

وختامًا، وفي ظل غياب دور السلطة الفلسطينية عن هذه الخطط والخطوات التي تهدف إلى زعزعة النمو الفلسطيني داخل أرضه، لا يمكن إنكار نجاح سياسات "إسرائيل" في إثارة صعوبات يومية تجعل الفلسطيني يعيش في شقاء لا مفر منه.

 سوق ومبنى استيطاني لاستقطاب الحركة التجارية والسياسية

تتركز أعمال التجريف أسفل الجدار الغربي لقلعة القدس التاريخية، حيث مسجد النبي داود، تمهيداً لبناء سوق ومجمع تجاري سياحي في باطن الأرض لاستقطاب الحركة التجارية والسياحية الوافدة، وتحويل الدخول إلى البلدة القديمة من القدس عبر باب الخليل بعد ربطه بشارع يافا والتجمعات اليهودية في القطاع الغربي المحتل من مدينة القدس.

تغيير معالم منطقة باب الخليل

في هذا الإطار، يقول خبير الخرائط والاستيطان خليل تفكجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يجري في منطقة باب الخليل يأتي في سياق مشروع أشمل".

ويضيف أن هذا المشروع "يستهدف تغيير معالم المنطقة هناك، خصوصاً ميدان عمر بن الخطاب المفضي إلى البلدة القديمة من القدس، وتحديداً حي الأرمن، وحارة الشرف أو ما تعرف الآن بالحي اليهودي، حيث تتركز الكثافة الاستيطانية داخل البلدة القديمة في هذا الحي الذي يقطنه نحو 3000 مستوطن، عدا عن مئات طلاب المدارس الدينية الموزعين على عشرات العقارات التي تم الاستيلاء عليها من مقدسيين".

ويتابع تفكجي "نحن نتحدث عن مشروع سياحي ضخم سيقام في المنطقة، بعدما أنهت لجان التخطيط التابعة لبلدية الاحتلال عملها ووضعت الخرائط والأمور اللوجستية، وبدأت بتهيئة المكان ووضع المعدات والجرافات لأجل تنفيذ هذا المشروع خلال عام 2022".

انتكاس الحركة التجارية في باب الخليل

ويتضمن المشروع الاستيطاني إقامة ساحات وأسواق ومجمعات تجارية وسياحية، ومتحف تحت الأرض، لوصول السياح الأجانب واليهود إلى باب الخليل من خلال عدة ساحات قريبة واستراحات للسياح، فيما رصدت حكومة الاحتلال ميزانية بقيمة 40 مليون شيكل (نحو 13 مليون دولار)، لتنفيذ أكبر عملية تغيير معالم في المنطقة.

لذا، لا يخفي المقدسيون قلقهم مما يجري في منطقة باب الخليل، ويخشون من أن يؤدي هذا المشروع الإسرائيلي إلى انتكاسة إضافية للحركة التجارية والسياحية في البلدة القديمة من القدس.

وتعاني هذه الحركة من ركود تجاري شبه تام ازداد تدهوراً مع جائحة كورونا، ودفع العديد من التجار المقدسيين إلى إغلاق محلاتهم بحثاً عن مصادر رزق لعائلاتهم، كما يؤكد لـ"العربي الجديد" وليد الدجاني، مدير فندق "الإمبريال" في باب الخليل، والذي تخوض عائلته منذ نحو عقدين صراعاً قضائياً مع جمعيات استيطانية تدعي ملكيتها الفندق المملوك أصلاً لبطريركية الروم الأرثوذكس.

ويحذر الدجاني من التداعيات الديموغرافية لما يجري في المنطقة، خاصة على الوجود المسيحي الفلسطيني في البلدة القديمة من القدس، والذي لا يتجاوز حالياً 1 في المائة فقط من مجموع سكان القدس القديمة البالغ عددهم نحو أربعين ألف نسمة.

 

وكانت تقديرات سابقة قد أشارت إلى ارتفاع نسبة المحال التجارية التي أغلقها المقدسيون جراء جائحة كورونا ونتيجة الضرائب المفروضة عليهم، إلى نحو 5 في المائة، ليصل عددها إلى ما يقارب 350 محلاً اضطر أصحابها إلى إغلاقها على مدى سنوات الاحتلال والتحول إلى أماكن عمل بديلة، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد" رئيس لجنة التجار المقدسيين وأمين سر الغرفة التجارية السابق حجازي الرشق.

تحويل القدس "قبلة اليهود"

ما يجري من توجه احتلالي حالي لتغيير معالم باب الخليل في القدس القديمة، يرى فيه طوني خشرم، رئيس "جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يقوم على "جعل القدس مكة اليهود عالمياً، أي للحجاج اليهود فقط".

ويوضح أنه "يحكم اليهود الأرثوذكس والمتدينون المتشددون القدس بالمال والسياسة، وهم الذين يستثمرون أموالاً كثيرة في المواقع الدينية اليهودية في البلدة القديمة، بينما الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية هي بمثابة مواقع أثرية غير مهمة لليهود".

ويضيف خشرم "باب الخليل هو الأسهل لدخول اليهود من القدس الغربية إلى حائط البراق مشياً على الأقدام أو بالسيارات، ومستقبلاً بوسائل نقل أخرى".

وفي ما يتعلق بمستقبل الحركة التجارية في البلدة القديمة على ضوء تنفيذ هذا المشروع، يقول خشرم إنه "بالنسبة للحركة التجارية في البلدة القديمة ستبقى ضعيفة جداً، لأن اعتمادها هو على السياحة المسيحية والإسلامية وهي لا تعتمد على السياحة اليهودية".

 

استكمال مشروع التهويد الأكبر

ما يجري في منطقة باب الخليل يرتبط أصلاً، بحسب مدير "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية" زياد الحموري، "بمشروع التهويد الأكبر للمدينة المقدسة، بدءاً مما يعرف بمنطقة الحوض المقدس في نطاق البلدة القديمة خارج سورها التاريخي، حيث هناك سلسلة من المشاريع الجاري تنفيذها منذ سنوات، خاصة عند مدخل بلدة سلوان".

ويضيف "كما تُقام هناك مبان ومنشآت لمركز سياحي إسرائيلي ضخم تشرف عليه جمعية العاد الاستيطانية من مقرها في وادي حلوة، وما يتصل بذلك من شبكة أنفاق تخترق باطن الأرض في سلوان ومحيط المسجد الأقصى وأسفله".

ويتابع "كما أن هناك مشاريع في منطقة ساحة البراق، حيث تصعد من باطن الأرض منشآت ومبان تضم مراكز سياحية وكنساً، بالإضافة إلى تكثيف الاستيطان في عشرات العقارات التي استولى عليها مستوطنون في السنوات الماضية في سلوان والبلدة القديمة وجبل الزيتون والشيخ جراح".

 تهجير السكان العرب وترحيلهم

منذ الأيام الأولى لاحتلالها القدس، وضعت إسرائيل حافلات ركاب، لنقل السكان العرب من القدس إلى الضفة الشرقية. وقد باشرت ذلك من خلال الخطوات التالية:

أ. تهجير حوالي 6500 مواطن من سكان حارة المغاربة وحارة الشرف، بعد هدم أحيائها في 8 مايو 1967، ومصادرة أراضيها، البالغة 16 دونماً، كانت تضم 595 بناية و104 محلات تجارية و5 مساجد و4 مدارس.

ب. استمرت في هدم المنازل العربية بشكل متواصل، منذ ذلك الحين. وعلى سبيل المثال، هدمت 256 منزلاً، بين عامَي 1986 ـ 1994، وخططت لهدم 550 منزلاً، بمعدل 50 منزلاً كل عام. ولكن أولمرت، عمدة القدس، استعجل الأمر، وهدد بالهدم الفوري لـ 70 منزلاً، (تصريحاته في أواخر أغسطس 1996). وبذلك تُخْلي القدس من سكانها العرب، ليقيموا خارج حدود البلدية.

  1. مصادرة العقارات

أ. صادرت إسرائيل حارة المغاربة وحارة الشرف، وشيدت مكانهما 460 منزلاً لليهود، تختلف في طابعها العمراني عن باقي منازل القدس.

ب. صادرت 17 عقاراً ومتجراً ومدرسة، وأماكن دينية مختلفة، في منطقة باب السلسلة وحي الواد.

ج. في 25 يونيه 1969، امتدت الاستملاكات والمصادرات، لتشمل أكثر من 300 عقار في البلدة القديمة، كان أهمها المسكن، الذي استولى عليه أرييل شارون Ariel Sharon في حي الواد.

د. لجأت السلطات إلى تسهيل انتقال ملكية العقارات العربية إلى اليهود، بوسائل غير مشروعة، كما حدث في رأس العمود.

هـ. صُودر 73% من أراضي القدس، لإقامة مستوطنات عليها (منذ عام 1967)، وهناك 7% مرشحة للمصادرة. وأقيم عليها 40 ألف مسكن، يسكنها حالياً حوالي 160 ألف يهودي.

و. تخطط السلطات الإسرائيلية لتنفيذ 30 ألف وحدة سكنية، في أحياء استيطانية جديدة، وتوسيع الأحياء القديمة، وقد بدأت السلطات في التنفيذ الفعلي لهذا المخطط. (اُنظر ملحق أبرز النشاطات الإسرائيلية في الفترة من 1967 - 1997)، أبرز تلك التغييرات.

ز. إحكام الطوق الأمني حول القدس، ما زاد معاناة الفلسطينيين، اقتصادياً وتعليمياً وطبياً واجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً وتراثياً. وتسببت هذه المعاناة، وزيادة الضرائب، بتفريغ القدس من سكانها العرب.

ح. سحب الهويات من العرب، سكان القدس الأصليين.

التعليم 

 

ولا يُعتبر قطاع التعليم في حال أفضل من باقي القطاعات، إذ يصل النقص في غرف الصفوف إلى ۲۰۰۰ غرفة، فضلاً عن تسرب أكثر من ۱۰,۰۰۰ طالب، الأمر الذي يشكل تربة خصبة للمخدرات. ويشير الحموري إلى أن نسبة انتشار المخدرات مرتفعة جداً، في الوقت الذي ترعى المؤسسات الرسمية الإسرائيلية المدمنين بتوفير مخصصات شهرية لهم، فضلا عن غض النظر عن تجارة المخدرات بشكل شبه علني في البلدة القديمة. ومع انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في صفوف المقدسيين الشباب تتعمق مشكلات اجتماعية جادة تؤثر في تركيبة الأسرة التي تعاني أيضاً جراء الضيق الاقتصادي والضغط النفسي في مواجهة حياة عنوانها المعاناة .