الرؤية الفلسطينية والعربية للقدس

الموقف الفلسطيني

أ. الموقف الرسمي

يعاني الشعب الفلسطيني الاحتلال الاستيطاني، وهو أسوأ أنواع الاحتلال، ولكنه مستمر في المقاومة، السلبية والإيجابية، لقوات الاحتلال. غير أنها مقاومة، لا يمكنها، وحدها، تحرير الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس. وكانت قمة العمل البطولي الفلسطيني، عبر الانتفاضة الفلسطينية، التي أجبرت الإسرائيليين على الإسراع في البحث عن مخرج لفشلهم في قمع الانتفاضة، التي استقطبت إعجاب العالم.

ارتكز الموقف الفلسطيني على مقررات المجلس الوطني الفلسطيني، عام 1988، والقاضي بإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الموقف الفلسطيني المعلن، حتى الآن.

 شكلت اتفاقيات مدريد وأوسلو منعطفاً رئيسياً، بالنسبة إلى قضية القدس. وقد أصدر الجانب الأمريكي، في هذا السياق، ما أُطلق عليه "رسالة التطمينات" إلى الجانب الفلسطيني.

واتفق الجانبان على إرجاء مناقشة وضع القدس إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، أي إلى المرحلة النهائية. وقد عارض ذلك التأجيل عدد من المفكرين الفلسطينيين والعرب، من منظور أنها خدعة إسرائيلية، لتأجيل هذه المناقشة أطول فترة ممكنة، حتى يمكن إسرائيل الإسراع في فرض الأمر الواقع في المدينة. وعلى الجانب الآخر، ينبغي ألاّ يُنظر إلى التأجيل على أنه تفريط من السلطة الوطنية الفلسطينية، فالمفاوضات كانت عسيرة، وكان المطلوب، في تلك المرحلة، مجرد موطئ قدم في فلسطين، ليبدأ الفلسطينيون منه رحلة الألف ميل. من هنا، كانت الرؤية إلى الحل الوسط، وهي رؤية عميقة جداً، لو أُحسن التخطيط لها.

وعلى الرغم من الموقف الإسرائيلي المتعنت، الذي يقابله موقف رسمي فلسطيني معلن، كما ذكرنا، فهناك اتجاهات قوية داخل السلطة الفلسطينية، تشير إلى إمكانية الموافقة على إقامة العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، في إطار القدس الموحدة، أو المفتوحة، على أن تكون عاصمة لدولتَي إسرائيل وفلسطين، من خلال ترتيبات يُتفق عليها. وفي هذا السياق، تُشير الرؤية الحالية للسلطة الوطنية إلى إبراز الثوابت الآتية:

(1) رفض تدويل القدس.

(2) رفض إقامة مدينة جديدة، يطلق عليها القدس، لتكون عاصمة لفلسطين.

وحرصاً من السلطة الوطنية على عدم إتاحة الفرصة لإسرائيل، لدق أسفين في العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، بعد الاتفاق الإسرائيلي ـ الأردني، على وضع الأماكن المقدسة تحت الإشراف الأردني. فمع أن السلطة الوطنية، لا توافق على هذا الاتفاق، إلاّ أنها جمّدت إثارة خلافٍ حوله، في الوقت الحالي، حفاظاً على علاقتها الإستراتيجية المهمة بالأردن، وحتى لا تُمَكِّن إسرائيل من تحقيق هدفها.

تلك هي المواقف الرسمية المعلنة، وغير المعلنة، للسلطة الوطنية الفلسطينية. غير أن هناك أفكاراً أخرى، غير رسمية لبعض المفكرين الفلسطينيين، الذين يمكن تصنيفهم في جانبين متكاملين وليسا متضادين: وهما الجانب المتطرف، الذي يطالب بكل شيء، والجانب الواقعي، الذي يطالب بالحد الأقصى الممكن.

 

 

رؤية معهد القدس للأبحاث الإستراتيجية

(أ) البديل الأول

  • يتضمن اعترافاً بالسيادة الفلسطينية على جزء من شرق القدس، ومناطق متفرقة أخرى (رأس العمود / عرب السواحرة / صور باهر / طوبا / الحافة الشرقية لجبل الزيتون/ الشيخ / الطور)، مع النظر في ضم فندق انتركونتننتال، الذي يطل على المدينة القديمة والعيساوية وبيت حنينا وكفر عقب، على أن يخضع باقي المدينة للسيطرة الإسرائيلية.
  • ضم مناطق: معاليه أدوميم، والبيرة، وجعفات زئيف، وغوش عتسيون إلى إسرائيل.
  • تخضع منطقة داود، باعتبارها أهم الأماكن الروحية للأديان الثلاثة، للسيادة الإسرائيلية أو المشتركة.

    ويُعَد هذا البديل غير متوازن من المنظور العربي، لأنه يحقق السيادة الإسرائيلية، على الأحياء اليهودية في شرق المدينة (حائط المبكى)، إضافة إلى جزء كبير من القدس الشرقية، بصرف النظر عن تحقيقه لجزء من السيادة العربية على القدس الشرقية.

(ب) البديل الثاني

يتضمن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، مع تبادل مناطق صغيرة، من خلال الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ويكفل هذا البديل استمرار الوضع القائم في المدينة منذ حرب 1967، ويقضي ببقاء كل المدينة تحت السيادة الإسرائيلية.

 ولكن هذا الوضع يشكل تهديداً لاتفاقيات أوسلو، وهو غير مقبول، بطبيعة الحال، من الفلسطينيين.

(ج) البديل الثالث

 ويتضمن استمرار السيادة الإسرائيلية على القدس الموحدة، مع إعطاء نوع من الحكم الذاتي للأحياء العربية واليهودية. ويكفل ذلك وضع المدينة تحت السيادة الإسرائيلية، مع إدارة إسلامية (فلسطينية ـ أردنية) للأماكن الروحية الإسلامية، وإدارة مسيحية للأماكن الروحية المسيحية، الأمر الذي يعني منح حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية.

 ويعد هذا البديل غير متوازن من وجهة النظر الفلسطينية، لأنه فَصْلٌ بين المسألة الدينية والمسألة السياسية المتعلقة بالسيادة على الأرض، وهو أمر غير مقبول، لأنه يحقق لإسرائيل استمرار الوضع الراهن.

    ويرى خبراء المعهد، أن هذا البديل هو أنسب البدائل من وجهة نظرهم.

الخلاصة

  1. التوصل إلى الشكل النهائي للقدس، من المنتظر أن يتم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولذلك، فان معطيات جميع المحاور الأخرى، لا بد أن يكون هدفها الوقوف خلف الفلسطينيين والشد من أزرهم.
  2. إن العمل الجماعي العربي متعدد الاتجاهات، وهو توجه أصيل في هذا الصراع، وله أهمية كبرى، إلا أن العبء يقع، في النهاية، على عاتق الفلسطينيين، لأنهم ببساطة أصحاب القضية، ثم إِنهم هم الذين يعيشون المواجهة الفعلية مع إسرائيل.
  3. إن القدس لن تموت ما بقي الشعب الفلسطيني، وما بقي الشعب العربي، وما بقيت الأمة الإسلامية. 

 

الخطاب العربي وقضية القدس

  1. جامعة الدول العربية وقضية القدس

أ. تعددت قرارات جامعة الدول العربية بشأن قضية القدس، وإذا كانت القمة العربية بدأت تجتمع بشكل متكرر، منذ عام 1964، وتدرس قضية القدس، ضمن المشاكل والقضايا المعروضة عليها، إلا أن قرارات مجلس الجامعة تضمنت القرار الرقم 201، الصادر، في 8 أبريل 1950، بضرورة الإبقاء على الحالة الديموجرافية لمدينة القدس كما كانت عليه في 29 نوفمبر 1948. كذلك صدر القرار الرقم 202، في عام 1950، للحفاظ على نسبة ملكية الأراضي في مدينة القدس بين عناصر السكان العرب واليهود، كما كانت عليها في نوفمبر 1948. وأيضاً صدر القرار الرقم 304، في العام نفسه، بوجوب المحافظة على الأوقاف المرصودة لخدمة المؤسسات الدينية والخيرية والثقافية القائمة في مدينة القدس. وفي عام 1952، صدر القرار الرقم 467 لحث الدول العربية على معارضة نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى القدس.

ب. أصدر مجلس الجامعة العربية قراره الرقم 707، لعام 1954، بتشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة، وفي 17 نوفمبر 1957، صدر القرار الرقم 1390، الذي يؤكد مساهمة الدول أعضاء الجامعة العربية في نفقات الإعمار، ودعوة الدول الإسلامية للمساهمة فيها. وفي 29 أبريل 1992، أصدر مجلس الجامعة قراره الرقم 5166، لدعم الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس، وإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة. ولذلك شكلت لجنة تضم أعضاء من: الأردن، وتونس، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وفلسطين، ومصر، والمغرب، بهدف دراسة وإقرار المشروعات التي ستعرضها الجهات الأردنية المختصة، بشأن ترميم وصيانة المعالم الدينية داخل الحرم القدسي، وكذلك إعداد موازنة متكاملة لتمويل المشروعات المقررة.

ج. في 13 سبتمبر 1992، أصدر مجلس الجامعة العربية قراره الرقم 5216، والخاص بتقديم الدعم المالي الفوري لمدينة القدس، وإنشاء صندوق خاص لهذا الغرض، تسهم فيه الحكومات والقطاعات الشعبية العربية، لتمكين المواطنين الفلسطينيين من الحفاظ على ممتلكاتهم وأراضيهم، ومنع سلطات الاحتلال من المزيد من المصادرة والاستيلاء على هذه الممتلكات. كذلك تضمن القرار إنشاء لجنة وزارية للتحرك السياسي وشرح الموقف العربي تجاه مدينة القدس. وفي مارس 1994، أكد مجلس الجامعة العربية، في دورته العادية، عروبة القدس، ورفضه جميع المحاولات، التي استهدفت هويتها الإسلامية. وفي 6 مايو 1996، وخلال جلسة طارئة لوزراء الخارجية العرب، أدان مجلس الجامعة قرار الحكومة الإسرائيلية، الخاص بمصادرة الأراضي العربية في القدس الشرقية وخارجها. وطالبت جامعة الدول العربية مجلس الأمن بعدم الاعتراف بالقرارات الإسرائيلية.

د. أدانت جامعة الدول العربية قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والداعي إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث أعلن مجلس الجامعة في بيانه الصادر في 25 أكتوبر 1995 أن القرار الأمريكي يعد إخلالاً بالمواقف الأمريكية الرسمية المتعاقبة والرافضة للقرار الإسرائيلي منذ عام 1967. وعندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بنائها، مستوطنة في جبل أبي غنيم جنوب القدس، إضافة إلى إصرارها على استمرار فتح النفق الموجود في محيط الحرم الشريف ومنع الفلسطينيين من الدخول إلى مدينة القدس الشريف، طالبت الجامعة العربية في بيانها الصادر في فبراير 1997 كلاً من: مجلس الأمن، وراعيي السلام، سرعة التحرك ومواجهة عمليات الاستيطان الإسرائيلية، وخاصة في مدينة القدس.

هـ. كان هناك ارتباط وثيق بين القرارات، التي كان يتخذها مجلس الجامعة، وقرارات القمم العربية، والتي بدأت تشكل ظاهرة متكررة منذ بداية عام 1964:

(1) أكد مؤتمر القمة الأول، الذي عُقد بالقاهرة، خلال الفترة من 13-16 يناير 1964، ضرورة إنشاء كيان فلسطيني، يجمع إرادة شعب فلسطين، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه. ولقد تحقق الكثير من قرارات مؤتمر القمة العربي الأول، وكان أهمها انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القدس، في 28 مارس 1964، والذي قرر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية.

(2) وفي مؤتمر القمة العربي الثاني، الذي عُقد في الإسكندرية، خلال الفترة من 5-11 سبتمبر 1964، حدد الهدف القومي في تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، والالتزام بخطة العمل العربي المشترك.

(3) وفي مؤتمر القمة الثالث بالدار البيضاء، خلال الفترة من 13-18 سبتمبر 1965، أقرت الخطة الموحدة للدفاع عن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة.

(4) وخلال مؤتمر القمة العربي الرابع، الذي عُقد بالخرطوم، خلال الفترة من 29 أغسطس إلى أول سبتمبر 1967، إثر الهزيمة العربية، اتفق القادة والملوك والرؤساء العرب على توحيد جهودهم لإزالة آثار العدوان، وتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها، بعد الخامس من يونيه 1967. وذلك في إطار المبادئ التي تلتزم بها الدول العربية، والمتمثلة في عدم الصلح مع إسرائيل، أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه.

(5) بعد مرحلة من التعثر العربي، الناتجة عن الخلافات البينية العربية، عقد مؤتمر القمة العربية الخامس في الرباط، خلال الفترة من 16-23 ديسمبر 1969، حيث طالب المؤتمر دعم الثورة الفلسطينية بكل الطاقات العربية، وكذلك دعم الصمود العربي في الأراضي المحتلة مادياً ومعنوياً، إلا أن الخلافات العربية كان لها دور أساسي في عدم صدور بيان ختامي للمؤتمر.

(6) وخلال الفترة من 22-25 سبتمبر 1970، عُقد مؤتمر القمة العربية الاستثنائي، لبحث الوضع المتفجر بين قوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، وخُصص هذا المؤتمر لإنهاء النزاع الأردني ـ الفلسطيني، وتحقيق المصالح المؤقتة.

(7) وبعد ذلك، توقفت القمم العربية قرابة أربع سنوات متعاقبة، حيث عُقدت القمة السادسة في مدينة الجزائر، خلال الفترة من 26-28 نوفمبر 1973، لتقويم نتائج حرب أكتوبر من الجانب السياسي.

(8) عُقد مؤتمر القمة العربية السابع في الرباط، خلال الفترة من 26-30 أكتوبر 1974، والذي أكد أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما خصص دعماً مالياً، سنوياً، قُدر بحوالي 2.3 مليون دولار، لدول المواجهة ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأكد المؤتمر أن الهدف المرحلي للعمل العربي، هو التزام جميع الدول العربية بالحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولا يجوز لأي طرف عربي قبول أي محاولة لتحقيق أي تسوية سياسية جزئية، انطلاقاً من قومية القضية ووحدتها.

(9) عٌقد مؤتمر القمة الثامن بالقاهرة، خلال الفترة من 25-26 أكتوبر 1976، بعد تفاقم الخلافات العربية، وتوقيع مصر اتفاقية فصل القوات الثانية في سيناء عام 1975، وتفجر الحرب الأهلية في لبنان، وتدخل المقاومة الفلسطينية الموجودة في الأراضي اللبنانية في هذا الصراع، وخلال هذا المؤتمر، شكلت قوات ردع عربية تحملت سورية أعباءها.

(10) وخلال الفترة من 2-5 نوفمبر 1978، عُقد مؤتمر القمة العربي التاسع ببغداد، إثر توقيع الرئيس محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد. ولقد أكد المؤتمر ضرورة الالتزام بمقررات مؤتمرات القمة العربية السابقة، وخاصة المؤتمرين السادس والسابع، والتي حددت الهدف المرحلي العربي المتمثل في تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وتحرير مدينة القدس، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة، وأن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً. كما أكد المؤتمر عدم قبوله اتفاقيتي كامب ديفيد، وكذلك رفض كل ما يترتب عليهما من آثار سياسية واقتصادية وقانونية. وكان نتيجة لإصرار مصر على توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد، أن قرر وزراء الخارجية العرب تطبيق قوانين المقاطعة على الشركات والمؤسسات والأفراد المصريين، الذين سيتعاملون مع إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

(11) في مدينة تونس، عقد مؤتمر القمة العاشر، خلال الفترة من 20-22 نوفمبر 1979. ولقد أدان المؤتمر، للمرة الأولى، السياسة الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، كما أكد أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي العربية هو جوهر الصراع، وأن الأمة العربية معنية وملتزمة بالنضال من أجل القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى.

(12) وفي عمان، عقد مؤتمر القمة الحادي عشر، خلال الفترة من 25-27 نوفمبر 1980، حيث تقرر خلالها قطع جميع العلاقات مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو تنقل سفارتها إليها، كما تقرر إنشاء قيادة عسكرية عربية مشتركة، وكذلك دراسة إنشاء مؤسسة عربية للتصنيع الحربي.

(13) وخلال الفترة من 6-9 سبتمبر 1982، استؤنفت جلسات مؤتمر القمة العربية الثانية عشرة، والتي كانت قد عقدت جلسة واحدة يوم 25 نوفمبر 1981، وأشير من خلاله إلى مشروع الأمير فهد بن عبدالعزيز، ومشروع الرئيس الحبيب بورقيبة. وخلال هذا المؤتمر، أقرت مبادئ عدة، منها: ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية، وكذلك إزالة جميع المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967، مع ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

و. استمرت القمم العربية تدعم القضية الفلسطينية إلى أن كانت قمة القاهرة 1990، والتي عُقدت أساساً لمواجهة الغزو العراقي للكويت. ومع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية سبتمبر 2000، عُقدت قمة القاهرة 2000، والتي كانت دعماً للموقف الفلسطيني. وخلالها تقرر عقد القمة العربية سنوياً. ومن ثم، عُقدت القمة الدورية الأولى في عمان عام 2001، وخلالها صدر إعلان عمان، حيث طالب بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين ونشر قوات حماية دولية. كما أدان محاولات طمس هوية مدينة القدس، حيث أكد القادة والزعماء العرب تمسكهم بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، والتي تؤكد بطلان جميع الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل لتغيير معالم المدينة. وطالبت دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس، وجددوا موقفهم من قطع جميع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس، أو تعترف بها عاصمة لإسرائيل.

ز. في إطار التناقضات الإقليمية والدولية وتزايد التوتر في الشرق الأوسط، عُقدت القمة العربية الدورية الثانية في دورتها الرابعة عشرة العادية عام 2002. وأعلن القادة العرب، خلالها، إدانتهم للحرب التدميرية الشاملة التي تشنها القوات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية. ولقد أكد القادة العرب استمرار تمسكهم بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس، وخاصة القرارات الأرقام 252/1968، و267/1969، و465/1980، و478/1980، والتي تؤكد بطلان الإجراءات الإسرائيلية لتغيير معالم المدينة. كما أعلن القادة العرب عن موافقتهم لمبادرة السلام العربية القائمة على أساس السلام العادل والشامل، كخيار إستراتيجي للدول العربية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل. وطالبت المبادرة في شكلها النهائي إسرائيل، بإعادة النظر في سياستها التوسعية وأن تجنح للسلم. كما طالبت بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة. وأوضحت المبادرة السلمية أنه عند تحقيق المطالب العربية العادلة، فإنه يمكنهم اعتبار انتهاء النزاع العربي ـ الإسرائيلي، إلا أن الموقف الإسرائيلي الرافض لهذه المبادرة يعد بداية لدخول الصراع مرحلة جديدة.

 

  1. المملكة العربية السعودية وقضية القدس

    تعددت جهود المملكة العربية السعودية، بشأن قضية القدس، سواء كان في الإطار الإقليمي أو الدولي، كذلك قدمت المملكة الدعم المادي والمعنوي لدول المواجهة مع إسرائيل في مراحل صراعها المختلفة، وكذلك قدمت الدعم للجانب الفلسطيني. ويتمثل الموقف السعودي، حيال القضية الفلسطينية بصفة عامة، وقضية القدس بصفة خاصة، في إعلان المبادئ الثمانية المقترحة كأساس لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وهي المبادئ التي عرضها الأمير فهد بن عبدالعزيز في 9 أغسطس 1981، والتي عُرفت بمشروع الأمير فهد، والتي تمثلت في الآتي:

أ. انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية.

ب. إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967.

ج. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.

د. تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة.

هـ. تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية، تحت إشراف الأمم المتحدة، ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر.

و. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.

ز. تأكيد حق دول المنطقة بالعيش بسلام.

ح. تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ هذه المبادئ.

    ولقد استمرت جهود المملكة العربية السعودية، لإظهار المخططات الإسرائيلية الداعية إلى إغفال الحق العربي في المدينة المقدسة، حيث نددت دائماً بالمشروعات الرامية إلى تهويد القدس وزيادة الاستيطان بها. كما قدمت المملكة حوالي ثلاثين مليون دولار أمريكي، لإنشاء مساكن للفلسطينيين بالقدس. كما كان هناك مواقف حاسمة وحازمة للمملكة العربية السعودية، تجاه المذابح الإسرائيلية التي ارتكبتها في القدس، والتي أعقبت عملية فتح النفق تحت أساسات المسجد الأقصى. وطالبت المملكة مجلس الأمن والمجتمع الدولي، بالعمل على إنهاء الأعمال الإسرائيلية غير الشرعية الموجهة ضد المسجد الأقصى.

لم تتوقف جهود المملكة العربية السعودية على الدعم الفلسطيني فقط، بل قدم الأمير فهد بن عبدالعزيز مشروع فهد للسلام في 7 أغسطس 1981، وتضمن المشروع مبادئ حل قضية القدس، وتمثلت في الآتي:

أ. انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية.

ب. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.

ج. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

 قبل عقد القمة العربية ببيروت في مارس 2002، أعلن ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة سلام، في مقابلة صحفية، أجراها الصحفي الأمريكي توماس فريدمان. ولقد طُرحت هذه المبادرة من منطلق استمرار المملكة العربية السعودية المحرك الأساسي لجهود التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ودعمها لجميع المبادرات التي طُرحت، إلا أن هذه المبادرة تندرج في إطار جهود عربية متواصلة لإثبات أن خيار السلام هو الخيار الإستراتيجي العربي، ولقد تضمنت المبادرة المبادئ الآتية:

أ. انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والجولان.

ب. الانسحاب مقابل التطبيع الكامل والشامل.

ج. الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

 مما سبق، يتضح أن تزامن طرح المبادرات السعودية، كان في إطار نشوب حروب إقليمية في المنطقة. وإن المبادرة السعودية الأولى للأمير فهد، والمبادرة السعودية الثانية للأمير عبدالله، كانتا بهدف استعادة الحقوق العربية بصفة عامة، والأراضي المحتلة بصفة خاصة، ومنها القدس الشريف. وكان ذلك، اتساقاً مع السياسة السعودية تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وإذا كان مؤتمر القمة العربية في فاس، والذي عُقد في 25 نوفمبر 1981، لم يعتمد مشروع الأمير فهد، بل أرجأ ذلك حتى لا يؤدي إلى انقسامات داخل المؤتمر، حيث عارضت كل من: سورية، والعراق، وليبيا هذا المشروع، إلا أن الموقف العربي من مبادرة الأمير عبدالله عام 2002، قد أيدته الدول العربية كافة، ونوقش في مؤتمر قمة بيروت 2002، بل أعلن كمبادرة عربية للسلام. وعلى الرغم من الموقف العربي من هذه المبادرة والتأييد الكامل لها، إلا أن الموقف الإسرائيلي كان له توجهات، تبنى التوجه الأول الأحزاب المعارضة والتي أيدت هذه المبادرة نظراً إلى أن الدولة التي قدمتها لها وزنها السياسي والاقتصادي والعقائدي في المنطقة، ما يمنحها ثقلاً عربياً وإقليمياً ودولياً، أما التوجه الثاني المعارض لهذه المبادرة فكان الأقوى والأكبر قدرة على حسم مصير هذه المبادرة والذي يتمثل في حكومة شارون وجميع الأحزاب اليمينية والأحزاب الدينية المتطرفة، التي أعلنت رفضها الانسحاب إلى حدود 1967، وكذلك رفض إعادة فصل الجزء الشرقي من القدس، واستمرار التمسك بأن القدس ستظل موحدة وعاصمة لإسرائيل.

  1. الجهود المصرية وقضية القدس

    تعددت المبادرات المصرية الهادفة إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فكان هناك مبادرة السادات الأولى في 4 فبراير 1971، والتي أكدت على إمكانية تحقيق السلام في المنطقة بعد استعادة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. وفي 16 أكتوبر 1973، أعلن الرئيس أنور السادات مبادرته الثانية والتي تمسك خلالها بضرورة استعادة واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الأرقام 242، 338. وفي 20 نوفمبر 1977، وأثناء قيام السادات بزيارته للقدس، طالب بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، كما تضمن إطار السلام بين مصر وإسرائيل، والموَقَّع في 17 سبتمبر 1978 بكامب ديفيد، ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي أول مارس 1985، طرح الرئيس حسني مبارك مبادرته للسلام، والتي طالب خلالها بعقد اجتماع أردني ـ فلسطيني ـ إسرائيلي في القاهرة أو واشنطن، للتفاوض حول تحقيق السلام، مع عقد مؤتمر دولي لإضفاء شرعية دولية على أي اتفاق محتمل تشترك فيه الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وفي 6 يونيه 1990، طرح الرئيس حسني مبارك خطة للسلام ذات نقاط عشر، تركزت أساساً على ضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، والسماح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة في أي عمليات انتخابية، على أن تقبل إسرائيل نتائج هذه الانتخابات.

    يتجسد الموقف المصري ـ الشعبي والرسمي، تجاه قضية القدس، في الخطاب السياسي، الذي أعلن، منذ اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف في 28 سبتمبر 2000، وما أعقب ذلك من تداعيات. ولقد واكب الخطاب السياسي المصري مختلف التطورات، حيث تحددت المواقف الأساسية للرؤية المصرية، تجاه قضية القدس، خلال الخطاب السياسي الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك أمام مجلسي الشعب والشورى في 17 ديسمبر 2000، حيث كشف الخطاب مخطط عملية اقتحام الحرم القدسي، بوصفها مناورة لتهرب إسرائيل من مسؤولياتها، بشأن تنفيذ اتفاقيات التسوية، ومحاولة ترويج مقترحات وأفكار، تهدف سلب عروبة القدس، وتتمثل أبعاد الخطاب السياسي المصري تجاه مدينة القدس في الآتي:

أ. السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية بكاملها.

ب. السيادة الفلسطينية على القدس القديمة داخل الأسوار بجميع مقدساتها وأحيائها عدا الحي اليهودي، ورفض أي سيادة مشتركة أو جزئية على المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر بن الخطاب وقبة المعراج وحائط البراق وساحة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومهد المسيح وأديرة إبراهيم والروم الأرثوذكس ويوحنا المعمدان والعذراء وكنيستي المخلص والعذراء، وبذلك يعود الحي الأرمني في القدس القديمة إلى السيادة الفلسطينية.

ج. تكون القدس بحدودها الحالية وبشطريها الشرقي والغربي مدينة مفتوحة، ويكون لسكانها وزوارها حق التنقل بين مزاراتها، كما تتكامل خدماتها البلدية دون المساس بالسيادة الفلسطينية على القدس الشرقية وحق الدولة الفلسطينية في اتخاذها عاصمة لها.

د. تأمين حرية وصول اليهود إلى حائط البراق من باب المغاربة أو باب الخليل أو كليهما معاً، مع احتفاظ الفلسطينيين بجميع أوجه السيادة.

هـ. قبول فتح السفارات الأجنبية في شطري المدينة بعد إبرام اتفاق التسوية النهائية في فلسطين.

    من سياق الخطاب السياسي المصري بشأن القدس، يتضح حرص مصر على السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية والحرم القدسي الشريف، كما تتضح المسؤولية التي حملتها مصر للعالم العربي والإسلامي باعتبار أن قضية القدس ليست قضية فلسطينية فحسب ولكنها قضية عربية إسلامية، كما رفضت مصر دوماً عمليات الحفر تحت الحرم، حيث استنكر الخطاب السياسي المصري دعاوى إسرائيل بشأن البحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، حيث يؤكد العلماء المسلمون والعرب أن الهيكل قد بُني بعد بناء الحرم، فكيف إذاً يكون الهيكل تحت الحرم، كما رفض الخطاب المصري ما كان يُعلن عن السيادة تحت الأرض لطرف وفوق الأرض لطرف آخر، كذلك ترفض المطالبة بالسيادة الإلهية لأنها تزيد القضية تعقيداً، وخاصة أن السيادة الإلهية لله سبحانه وتعالى على الكون كله وغير مقبول قصرها على القدس فقط.

 

الإستراتيجية العربية المقترحة لاستعادة مدينة القدس

    تؤكد حقائق التاريخ أن مدينة القدس الشريف عربية الأصل في النشأة والتكوين إسلامية الهوية في الحضارة الإنسانية، ولذلك فإن المزاعم الإسرائيلية والخطط الهادفة لسلب المدينة العربية الإسلامية ما هي إلا زيف تحاول من خلاله خداع العالم وتضليله عن هذه الحقائق الثابتة. وإذا كانت إسرائيل قد تعهدت عام 1949 بالعديد من الالتزامات حتى يمكنها أن تكتسب الاعتراف الدولي الرسمي، وكان من بين هذه التعهدات عدم المساس بوضع القدس، والسماح للعرب الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، كذلك أن تحترم الحدود التي فرضها قرار التقسيم، إلا أن إسرائيل منذ نشأتها وهي تعد قرارات الأمم المتحدة وأي معاهدات موقع عليها ما هي إلا قصاصة ورق لن تلتزم بها، ولذلك فهي حتى الآن لم تنفذ أي تعهد أو تتمسك بأي اتفاقية، وكذلك لم تنفذ أي قرار صادر عن الأمم المتحدة، وعلى الرغم من جهود السلام التي بُذلت خلال العقد الأخير من القرن الماضي وعبر ثلاثة نماذج متعاقبة للسلطة الإسرائيلية، فإن الموقف الإسرائيلي تجاه السلام في المنطقة أصبح واضحاً، وإذا كان العرب حددوا إستراتيجيتهم في السلام القائم على تحرير الأرض وفي مقدمتها القدس الشريف، ورفع المظالم عن عرب فلسطين، إلا أن إسرائيل حددت إستراتيجيتها في استمرار احتلالها للأراضي العربية وخاصة القدس، مع فرض السلام الذي يحقق لها الأمن والتوسع في الأرضي العربية. ولمواجهة هذه المواقف المتعنتة فإنه يجب أن تتحدد الإستراتيجية العربية تجاه مدينة القدس في الآتي:

  1. أن قضية القدس الشريف يجب أن يضعها العالم العربي والإسلامي أمام المجتمع الدولي، بصفتها جزءاً من الأراضي المحتلة والتي لا تعني فقط البلدة القديمة المحاطة بالأسوار، بل تضم القرى المحيطة بها، ومن خلال هذا المنطلق تعرض قضية القدس وهو الحد الأدنى للمطالب العربية والإسلامية.
  2. يجب على العالم العربي والإسلامي أن يؤكد أن القدس الشريف التي نطالب بها هي مدينة القدس العربية، وهي التي ينطبق عليها القرار الرقم 242 كأرض محتلة، وعلى العالم الإسلامي أن يطرح هذا التصور ويقبله، حتى لا تظل القدس رهينة للمخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويدها.
  3. يجب أن يقر العرب والمسلمون بأن للقدس العربية قيمة روحية للأديان السماوية، ومن ثم لا يجب أن تبحث الجوانب المادية لقضية القدس كأرض عربية محتلة، حيث إن القيمة الروحية تمثل رمزاً، كما أن الاهتمام الديني بمدينة القدس يجب ألا ينفي عروبتها.
  4. يجب على العرب والمسلمين أن يواجهوا حقيقة محاباة القوى المسيحية المؤثرة في العالم إسرائيل وتأييدها وتشجيعها في القدس باسم المسيحية، بينما تغض الطرف عن المآسي التي يواجهها المسيحيون أنفسهم في القدس بصفة خاصة والذين هم أصل المسيحية منذ وجودها، ولذلك فإن الحفاظ على المدينة المقدسة وآثارها الدينية يتطلب استمرار عروبتها.
  5. نظراً إلى خطورة المرحلة الحالية التي يواجهها العرب والفلسطينيون، فإنه تتضح أهمية ترتيب الأدوار وتحديد المسؤوليات بين القوى والفعاليات العربية والفلسطينية والإسلامية بشأن ملف مدينة القدس، وإذا كانت قرارات القمم العربية قد حددت سلاحها الأوحد والمتمثل في المقاطعة السياسية والاقتصادية للدول التي تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا لا يجدي أساساً في غياب إستراتيجية عربية لتحرير القدس ومواجهة سياسة الأمر الواقع التي فرضتها إسرائيل في المدينة المقدسة، بينما تكون قرارات مؤتمرات القمة الإسلامية ذات فاعلية أكبر، حيث أكدت على ضرورة إعادة السيطرة العربية على مدينة القدس، وكذلك رفضها لأي محاولة لتدويل القدس، وأيضاً رفض أي محاولة لجعل القدس مدينة مفتوحة، ومواصلة الجهاد في سبيل تحرير القدس وحماية مقدساتها.
  6. يجب إعادة ترتيب الأولويات العربية والإسلامية، بحيث تكون قضية القدس لها الأسبقية على المستويين الرسمي والشعبي، وإعلام المجتمع الدولي بأن قضية القدس ومستقبلها هي قضية كل العرب والمسلمين، وهي مثل قضية الفاتيكان لدول أوروبا وأمريكا اللاتينية، حتى يمكن كسب التأييد العالمي لدعم المطالب الفلسطينية في القدس.

إن الحفاظ على القدس سكاناً وأرضاً ومؤسسات لن يمكن تحقيقه إلا من خلال زيادة الدعم المادي لمؤسسات القدس، وخاصة الصحية والتربوية الأساسية حتى يمكنها تدعيم الوجود السكاني العربي ودعم المؤسسات الدينية القائمة.

 

المواقف والمقترحات الدولية لحل قضية القدس

    تعددت المبادرات الدولية بشأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولكن يلاحظ أن أغلب هذه المبادرات لم يكن لها موقف محدد تجاه قضية القدس، ويتضح ذلك في مبادرة كيندي التي قدمها في 6 مايو 1963، والتي أيدت أمن وسلامة كل من إسرائيل والدول العربية، إلا أنها لم تتضمن أي مقترحات بشأن مدينة القدس. وكذلك قدم الرئيس الأمريكي جونسون مبادرته في 19 يونيه 1967، والتي أكد خلالها على أن يكون لكل دولة في المنطقة الحق في العيش دون تهديد، ولم تتطرق المبادرة أيضاً إلى قضية القدس.

 وتقدمت دول عدم الانحياز في نهاية عام 1967 بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب فيه إسرائيل بالانسحاب إلى ما وراء خطوط الهدنة، وبما فيها القدس الشرقية.

 قدم تيتو مشروعه للسلام في فبراير 1968، والذي أكد خلاله على انسحاب القوات الإسرائيلية تحت إشراف المراقبين من الأمم المتحدة إلى المواقع التي كانت تحتلها قبل 5 يونيه 1967.

 قدمت أيضاً عشرون دولة من أمريكا اللاتينية مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1969، طالبت فيه بعدم الاعتراف بضم الأراضي التي احتلت بالقوة، وتضمن أيضاً تدعيم الحل الخاص بتدويل القدس.

وفي عام 1969، حدد الرئيس الراحل شارل ديجول خطة إجرائية للسلام تناولت بشكل عام عملية السلام، إلا أنها لم تحدد الحلول المقترحة لقضية القدس. وفي فبراير 1969، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مبادرته لتهدئة الموقف في الشرق الأوسط، وتضمنت هذه المبادرة العديد من النقاط الخاصة بعملية السلام، إلا أنها لم تركز أيضاً على مدينة القدس.

تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع أمريكي لحل أزمة الشرق الأوسط إلى الدول الأربع الكبرى، وخلال هذا المشروع أكدت أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967 هو الأساس لأي تسوية للنزاع في الشرق الأوسط، كما أعلنت أنه من غير الممكن انسحاب إسرائيل إلى حدود الهدنة قبل 5 يونيه 1967. ولذلك تقترح بدلاً منها أن تحدد حدوداً آمنة معترف بها من جميع دول الشرق الأوسط. وفي يوليه 1970 عرض روجرز مبادرته للسلام، والتي أكدت على إجراء مفاوضات تحت إشراف يارنج، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242، بما في ذلك الانسحاب من الأراضي المحتلة في يونيه 1967، كذلك يتم تقرير وضع القدس والترتيبات المتعلقة بها خلال هذه المفاوضات.

في 22 يونيه 1971، قدّم مشروع قادة أفريقيا العشرة والذي أطلق عليهم حكماء أفريقيا، وتضمن هذا المشروع ضرورة انسحاب إسرائيل الفوري إلى حدود 1967، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242. وفي 29 يونيه 1977، صدر إعلان المجموعة الأوربية بشأن قضية الشرق الأوسط والذي نص على أن التسوية السلمية يجب أن تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338. وفي فبراير 1978، صدر البيان الأمريكي ـ المصري بشأن أسس التسوية السلمية في الشرق الأوسط واشتملت على ستة مبادئ للسلام، حظيت القدس منها بالمبدأ الخامس الذي أكد على أنه يجب أن تُبنى التسوية على أساس القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، بما في ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة عام 1967، وحق كل دولة في المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها. وفي سبتمبر 1982، أعلن الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان عن مبادرة أمريكية للسلام في الشرق الأوسط، وأكد خلالها ضرورة حل النزاع من خلال المفاوضات وعلى أساس مبادلة الأرض بالسلام.

بدأت القضية الفلسطينية الدخول في دائرة اهتمام الرئيس الأمريكي جورج بوش، حيث أعلن في خطابه أمام جلسة مشتركة للكونجرس في 6 مارس 1991 عن ضرورة العمل لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي على أساس قراري الأمم المتحدة رقمي 242 و338. ومع تطور جهود التسوية، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وثيقة سلام لكل من إسرائيل والفلسطينيين عام 1993، والتي أكدت فيها أن جميع الخيارات في الإطار الأساسي المتفق عليه للمفاوضات، وفقاً لقراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 ستظل مفتوحة وبمجرد بدء المفاوضات للوضع الدائم يستطيع كل من الجانبين إثارة ما يعنيه بما في ذلك قضية القدس.

 مما سبق يتضح أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي بصفة عامة، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، تعد من أكثر القضايا التي عُرض لها مبادرات ومساعٍ للحل سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً، إلا أن التعنت الإسرائيلي كان سبباً مباشراً لتعثر هذه المبادرات، التي وصلت في مرحلتها الأخيرة إلى إفشال اتفاق كامب ديفيد ـ 2 بسبب الشروط التعجيزية التي فرضت على الجانب الفلسطيني ولم يقبلها، كما كان وصول شارون  إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية عاملاً أساسياً لتأكيد انهيار العملية السلمية وخاصة بعد عمليات القتل والتدمير التي تبناها في إدارة الصراع مع الفلسطينيين، إضافة إلى التأييد والانحياز الأمريكي للسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ولذلك يتضح ضرورة استعداد الجانب العربي لجميع الاحتمالات، مع الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية لمواجهة إسرائيل في سعيها لتفريغ القدس من الفلسطينيين والاستيلاء عليها.