الفتح الاسلامي للقدس
لقد شكلت فلسطين والقدس خط الدفاع الأول عن الإسلام وبلاد المسلمين لقد استمدت المدينة أهميتها الدينية عند المسلمين، ليس لأنها ذات أصول عربية كنعانية فحسب بل لأنها مهد الرسالات أيضا فمنها عرج رسول الله "محمد" صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبع و تكلم إلى ربه، وتم فرض الصلوات على المسلمين ثم العودة من السماوات العلى إلى بيت المقدس ومنها إلى مكة المكرمة
فلم يختر الله سبحانه وتعالى بيت المقدس مكانا لإسراء نبيه عبثا ولكنها مشيئة إلهية سماوية رسمت منذ ذلك التاريخ وإلى الأبد علاقة ملايين المسلمين بهذه البقعة المقدسة من الأرض وهي بالنسبة لهم من أقدس المقدسات، وهي المكان الذي يحجون إليه، فهو قبلتهم الأولى وثالث الحرمين الشريفين بعد الكعبة المشرفة ومسجد النبي في المدينة المنورة
لقد بدأ رسول الله " محمد " صلى الله عليه وسلم بعد الجهر بالدعوة الإسلامية وانتشارها بتوجيه أنظار المسلمين وقلوبهم إلى مدينة القدس، مدركا أهميتها الدينية والروحانية لدى المسلمين ، فبعث في جمادى الأول سنة ثمان للهجرة أول قوة إسلامية إلى بلاد الشام، وجعل على راس هذه القوة التي لا تزيد على ثلاثة آلاف مقاتل "زيد بن حارثة " سارت القوة إلى بلاد الشام للاشتباك بجيوش الروم، حيث علم المسلمون أن "هرقل "قد حشد في مؤاب بأرض كنعان مائة ألف من الروم وانضم إليهم مثل هذا العدد من القبائل العربية المجاورة فدب التوتر في نفوس قوة المسلمين وفكروا في أن يطلبوا النجدة من "محمد" إلا أنهم آثروا على الاشتباك بجيوش الروم إما النصر أو الشهادة في سبيل الله والجنة
فزحف المسلمون إلى الشمال حتى قابلتهم جموع الروم في مؤتة بالقرب من مدينة الكرك في الأردن ودارت رحى المعركة غير المتكافئة وما لبث أن انسحب جيش المسلمين لإنقاذ القوة من فناء أكيد، لقد كانت هذه الحادثة بمثابة الاختبار الأول للمسلمين و ارادتهم الشجاعة في تحرير بيت المقدس واستعدادهم التام للتضحية والفداء من أجل القدس
لقد أمر الرسول الكريم بتجهيز جيش يقوده " أسامة بن زيد " للانتقام لشهداء مؤتة، وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى وجيش أسامة يتأهب للسير شمالا، فأمر الخليفة أبو بكر الصديق أن يواصل جيش أسامه سيره ويحقق المهمة التي كلفه بها رسول الله ،واشتبك جيش أسامه مع القبائل العربية التي ساندت جيش الروم ضد قوة المسلمين و لقنوها درسا وعادوا إلى المدينة المنورة
فبعد أن انتهى الخليفة "أبو بكر الصديق " من حروب الردة وتدعيم أركان المسلمين بعد وفاة الرسول، أعد جيشا لغزو بلاد الشام وتحرير بيت المقدس، وقدر عدد الجيش بأربعة وعشرين ألفا من جنود المسلمين الأشداء، وزحف جيش المسلمين شمالا وحارب الروم في معارك جانبية إلى أن وصل مشارف دمشق في "حوران "
أما الروم فقد تجمعوا استعداداً للمعركة الحاسمة في وادي اليرموك الفاصل بين سورية والأردن بعدد يقدر عشرة أضعاف جيش المسلمين، ومن ناحية أخرى قدم خالد بن الوليد على رأس جيش مجهز مددا لجيش المسلمين وتوحد الجيش بقيادة "خالد بن الوليد " ودارت المعركة الفاصلة وكان النصر حليف المسلمين في اليرموك، وبعد ذلك اتجه جيش المسلمين إلى دمشق حيث حاصرها وتم لهم فتحها وقد هزم الروم شر هزيمة في بلاد الشام
في عام 15هـ – 636م، عُزل أمير المؤمنين خالد بن الوليد عن رئاسة الجيش، وعُين مكانه أبو عبيدة، فأرسل أبا عبيدة إلى قادة الجيوش يستشيرهم إلى أين يتوجه فأشاروا أن يستشير عمر -رضي الله عنه -، فأشار عليهم بالقدس، فكانت فرحة المسلمين بذلك فرحة عظيمة، فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر الصلاة في المسجد الأقصى، وتحركت الجيوش نحو القدس، وكان فيها خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنه وغيرهم من كبار الصحابة، وبدأ الحصار على أسوار القدس، وعندما وصل أبا عبيدة وجيشه إلى القدس رآه المسلمون فكبروا تكبيراً عظيماً، فانتشر الرعب في قلوب الروم وظنوا أن أمير المؤمنين وصل بنفسه، ولما عرفوا أنه لم يأتي إلى القدس استمروا في القتال.
حصار أبو عبيدة بن الجراح إيلياء (القدس)
لما انتهى أبو عبيدة بن الجراح من فتح دمشق، احتار إلى أين يتجه: (إلى قيسارية، أم إلى بيت المقدس)، فأبو عبيدة يعرف أهمية هذه المدن على حد سواء، والتي قاومت كل محاولات المسلمين في الفتح، فكتب إلى الخليفة عمر للحصول على التعليمات، فهو غير قادر على اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة.
فجاءه أمر الخليفة لهم بفتح القدس، ففرح المسلمون، لأنهم كانوا ينتظرون الصلاة في المسجد الأقصى، وفقا لذلك، كتب أبو عبيدة إلى أهلها -أهل إيلياء- يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، أو يبذلون الجزْية، أو يؤذنون بحربٍ، فأَبوا أن يُجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده، وكان قد سيّر نحو القدس سبعة جيوش، على رأسهم: (يزيد، وخالد، وشرحبيل، ومعاوية).
كان “عمرو بن العاص” قد ضرب حصارًا شديدًا على المدينة المقدسة، وكان “أرطبون الروم” قد فرّ إلى بيت المقدس، فلما وصلت إليه الأخبار عن تجمع الجيوش الإسلامية لفتح المدينة المقدسة، أحس بالخوف الشديد، فهو لم ينس هزيمته المذلة أمام عمرو بن العاص في “معركة أجنادين”، وقد كان عمرو لوحده، فكيف إذا اجتمع عمرو بن العاص وأبو عبيدة وخالد بن الوليد؟!
ولمّا وصل أبو عبيدة مع جيش الشام أخذ المسلمون بالتكبير، فظن الروم أن أمير المسلمين قد وصل، فأخبروا كبير الأساقفة، فقال:
(وحق الإنجيل، إن كان قد قدم أميرهم فقد دنا هلاككم، لأننا نجد في العلم الذي ورثناه، أن الذي يفتح الأرض بالطول والعرض، هو الرجل الأسمر، الطويل الأحور، المسمى بعمر، صاحب نبيهم، فإن كان قدم فلا سبيل لقتاله فسلموا له، ولا بد لي أن اشرف، فإن كان هو فاستسلموا، وان كان غيره فقاتلوا فلن يفتحوها)،
فلما رأى أبا عبيدة عرف أنه ليس بفاتح القدس، وأعطى للجنود الأوامر بالقتال.
طال حصار القدس واستمر أربعة أشهر، قطع فيها المسلمين على الروم كافة سبل النجاة وضيقوا عليهم، ولكن الروم لم يستسلموا وبعد ضيق شديد أصابهم طلب البطريك من المسلمين عبر الرسائل أن يصفوا له أميرهم، فلما وصفوه ووجد الروم أن وصفه مطابقاً للوصف الموجود في كتبهم المقدسة عرف أن هزيمة الروم آتية لا محالة، فبعت للمسلمين يتسائل عن سبب فتحهم للقدس، فأجابه أبا عبيدة بأنها بلاد الأنبياء ومسرى الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنهم لن يتركوها أبداً إلى أن يملكهم الله إياها كما ملكهم غيرها. فسألهم عن مطلبهم، فأجابوا بأنه إحدى ثلاث إما الإسلام أو الجزية والصلح أو القتال، فرضي البطريرك بالصلح، ولكنه قال لهم بأن لا يدخلها إلا عمر –رضي الله عنه- فوافق المسلمين على ذلك.
بعث أسقف القدس للمسلمين يتساءل عن سبب فتحهم للقدس، فأجابه أبا عبيدة بأنها بلاد الأنبياء ومسرى الرسول ﷺ، وأنهم لن يتركوها أبدًا إلى أن يملكهم الله إياها كما ملكهم غيرها، فسألهم عن مطلبهم؟،
فأجابوا: إحدى ثلاث: (إما الإسلام، أو الجزية والصلح، أو القتال)، فرضي الأسقف بالصلح، ولكنه قال لهم بأن لا يدخلها إلا عمر، فقال عمرو بن العاص: (أنا عمرو)، فقالوا: بل اسمه مكون من (3) حروف وليس (4).
فكتب أبو عبيدة كتابا إلى عمر، فاستشار عمر الناس في ذلك:
فأشار عثمان بن عفان بألاَّ يركب إليهم؛ ليكون أحقر لهم، وأرغم لأنوفهم.
وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم؛ ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم.
فهوي ما قال عليٌّ، وسار بالجيوش نحوهم، واستخلف على المدينة عليَّ بن أبي طالب، وخرج إلى الشام وعلى مقدمة الجيش: العباس بن عبد المطلب.
فتح بيت المقدس
اجتماع عمر بن الخطاب مع القادة في الجابية
كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن يُوافُوه بالجابية -منطقة في هضبة الجولان- ليومٍ سمَّاه لهم، ويستخلفوا على أعمالهم، فكان أول مَن لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبو عبيدة، ثم خالد بن الوليد، عليهم الحديد الذي غنموه من الروم، حديد مخلوط بالديباج والحرير، فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها،
وقال: (ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم! إياي تستقبلون في هذا الزيِّ وإنما شبعتم مذ سنتينِ! وبالله لو فعلتُم هذا على رأس المائتين لاستبدلتُ بكم غيرَكم)، فقالوا: (يا أمير المؤمنين، إنّ علينا السلاح، وهؤلاء الروم لا يرهبهم إلا هذا اللباس، قال: نعم إذًا).
كان هذا اللقاء العظيم لهؤلاء القادة العظام بعد انقطاع زاد عن سنتين، منذ خرجوا فاتحين للبلاد، وأقاموا معسكرا في الجابية، وبينما هم يجتمعون، إذا بقطعة من الخيل تلمع سيوفهم قادمة باتجاه معسكر المسلمين، فهب الجند للاستعداد، فقال عمر: لا تراعوا إنهم مستأمنون، فإذا هم أهل القدس، قدموا إلى عمر ليفاوضوه على تسليم القدس، واتفقوا على المصالحة.
وصف فاتح بيت المقدس عند اليهود
وجاءه رجل من يهود دمشْق فقال له: (السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيلياء، لا والله لا ترجع حتى يفتح اللهُ إيلياء)، حتى اليهود يعلمون أن الذي يفتح بيت المقدس هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تسلم عمر بن الخطاب مفاتيح بيت المقدس
فلما بلغ بيت المقدس خرج إليه أسقفها، وكتب عمر رضي الله عنه لهم الأمانَ، فسلم الأسقف مفاتيح القُدس لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، وتَمَّ الفَتْحُ، ودخل عمر بيت المقدس من الباب الذي دخل منه رسول الله ﷺ ليلة الإسراء، وصَلَّى فيه مستقبلًا القبلة.
ثُمَّ بَكَى الأسقف فقال له عمر: (لا تحزن، هَوِّنْ عليك، فالدنيا دواليك، يومٌ لك ويومٌ عليك)، فقال الأسقف: (أظننتني على ضياع الملك بكيت، والله ما لهذا بكيت، وإنما بكيتُ لما أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية، ترق ولا تنقطع، فدولةُ الظلم ساعة، ودولةُ العدلِ إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين تمر ثم تنقرض مع السني).
ثم دعاه الأسقف لتفقد كنيسة القيامة، فلبى عمر دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى الأسقف وقال له: (أين أصلي؟)، فقال: (مكانك صل) فقال: (ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا)، وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى.
ثم عاد أمير المؤمنين وأضاف إلى “العهدة العمرية” بندا: عدم مساس المسلمين للموضع الذي صلى به عمر.
تاريخ دخول عمر بن الخطاب القدس
دخل أمير المؤمنين إلى القدس سنة (16 هـ)، دخلها صلحا لا حربا، لأن الإسلام دين يدعو إلى التسامح وحفظ الأرواح لا إزهاقها، ويدعو إلى نبذ الفتن، ومحاربة الظلم والجور على مر الأزمان.
خلال إقامته في القدس، أخذ أمير المؤمنين يتجول باحثا عن المسجد الأقصى، فلم يجده فسأل الأسقف عنه فقيل له: (أهو ذاك الذي كان يعظمه اليهود؟)
فقال: (نعم)، فدلّه عليه، فوجده وقد جعله النصارى مكب نفايات، فشمر عمر عن ساعديه، وبدأ ينظف ويكنس المسجد، فلما رآه المسلمون شرعوا جميعا في تنظيفه، ووضع عباءته وصلى عليها ركعتين، وأذن بلال في المسجد الأقصى، وكان لم يؤذن منذ وفاة النبيﷺ.
ثم أمر بعدها أمير المؤمنين ببناء المسجد، فبناه المسلمون من خشب يتسع لثلاثة آلاف مصلي، وبدأ المسلمون يتوافدون للصلاة فيه، قَام عمر بوضع حجر الأساس للصخرة التي صعد منها الرسول ﷺ مع المَلَك جبريل قبل أقل من (20)عاما في رحلة السماوات إلى الملأ الأعلى؛ والمعروفة باسم الإسراء والمعراج، وبُني “مسجد عمر” في نفس البقعة التي صلى فيها.
تواضع عمر عند فتح بيت المقدس
خرج أمير المؤمنين من المدينة المنورة مع غلام له على بعير واحد، وكانوا يتناوبون على ركوبه، كان بإمكانه أن يخرج وخلفه جيوش مجيشه، وفي موكب مهيب من الفرسان، لكنه أراد أن يترك رسالة إلى ملوك الأرض عن التواضع والعزة بالله وحده لا بغيره.
لما بلغ عمر جبل المكبر كبّر، وكبر الجند لتكبير عمر، فرحين بقدوم أمير المؤمنبن، وكان أهل ايلياء ينتظرون موكبًا مهيبًا لأمير المؤمنين، الذي قضى على وجود الروم في غالب بلاد الشام،
وأخذوا يسألون المسلمين أين عمر؟ فلم يعرفوه لأنه لما وصل القدس كان دور الغلام ليركب البعير، وأراد الغلام أن يقدم أمير المؤمنين عليه، لكنه أبى ودخل القدس ماشيًا يجر البعير،
فلما رآه أبو عبيدة لم يحتمل ذلك، فاستعجل إلى أمير المؤمنين وقال: (يا أمير المؤمنين قد صنعت اليوم صنعًا عظيمًا عند أهل الأرض، فهل لك أن …) فضربه عمر في صدره مؤنبًا،
وقال قولته التي تحمل كل معاني العزة، فقال: (أما لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، لقد كنا قومًا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، وكنا ضعافًا فقوانا الله).
هال الروم ذاك المنظر من هيئته، وقال الأسقف لقومه: (إن أحداً في الدنيا لا يستطيع الوقوف في وجه هؤلاء القوم، فسلموا لهم تنجوا)، وبذل سلم الروم للمسلمين وكتب العهد بينهم،
وكانت “العهدة العمرية” والتي ما زالت موجودة ومحفوظة إلى اليوم في كنيسة القيامة، والتي أعطى فيها أمير المؤمنين للروم الأمان في القدس، وآمن عبادتهم وكنائسهم ومقدساتهم بأنها لا تهدم ولا تمس.
واشترط عليهم أن لا يسكن معهم بإيلياء أحدًا من اليهود، ومنع اليهود من دخول القدس وكان المنع بطلب من النصارى أنفسهم، ووافق أمير المؤمنين على ذلك، فكان ذلك شاهدًا على أخلاق المسلمين ورحمتهم، وها هي قد عرفت القدس أرحم فاتح لها، على خلاف الملوك ممن كانوا يغزون القدس فيهدموها كاملة ويقتلوا أهلها.
أنزل عمر بن الخطاب في القدس بعد فتحها سنة 16هـ/638م نصف الجيش المخصص لفتح فلسطين والذي يقارب ثلاثة آلاف مقاتل، بقيادة علقمة بن مجزز الكناني وتذكر المصادر أسماء العديد من الصحابة والتابعين الذين استقروا فيها بعد فتحها منهم :
* الصحابي عبادة بن الصامت الأنصاري الذي توفي ودفن فيها سنة 34هـ، في مقبرة باب الرحمة بجانب السور الشرقي للمدينة.
* الصحابي شداد بن أوس الأنصاري الذي توفي ودفن فيها سنة 58هـ في مقبرة باب الرحمة إلى جانب عبادة بن الصامت.
* الصحابي عبدالله بن عمرو بن قيس الخزرجي (ابن أم حرام)،
* الصحابي أبو محمد الخزرجي الأنصاري.
استقرت القبائل اليمانية من حمير في القدس ومنهم الصحابي سلامة بن قيصر الحضرمي الحميري، التابعية أم الدرداء.
ونزلها عدد من أبناء قبيلة كندة وأشهرهم: التابعي رجاء بن حيوة.
استقر في المدينة أيضاً عدد من أبناء قبيلة كنانة وأشهرهم: علقمة بن مجزز الكناني أحد قادة الجيش الذين شاركوا في فتحها، والصحابي واثلة بن الأسقع الكناني .
لوحظ كثافة الاستقرار العربي في القدس في زمن الراشدين، وخصوصاً من جيلي الصحابة والتابعين الذين نزلوا فيها فصارت دار إقامة لهم ولذراريهم من بعدهم.
النصارى:
أقام في القدس إلى جانب المسلمين عدد من نصارى العرب والروم وكانوا ينزلون في الجزء الشمالي منها، وقد منحهم عمر بن الخطاب أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وظلّ النصارى يشكلون نسبة كبيرة من سكانها حتى نهاية عهد الراشدين، وكانوا يعيشون مع المسلمين في وئام وسلام.
اليهود:
عملت الشرذمة اليهودية فيها خدماً وعمال تنظيفات في الحرم القدسي، وكان عددهم 20 فرداً، ويبدو أنهم كانوا من المتدينين الفقراء .
المهن:
عمل العرب المسلمون من أهلها في الإدارة والجيش ولاة وقضاة وكتّاباً ومقاتلين، وعمل بعضهم في التعليم، وعمل أكثر النصارى في الحرف اليدوية والتجارة، وشغل بعضهم مناصب إدارية في الدولة، فعملوا كتّاباً في ديوان الخراج، وعمل قلة منهم أطباء للخلفاء والولاة.
الإدارة:
قسم عمر بن الخطاب الشام بعد فتحها إلى أجناد، وبموجب هذا النظام وزعت الأراضي التي كانت تابعة لفلسطين في العهد البيزنطي على جندين، فصارت فلسطين الثانية هي جند الأردن بعد الفتح وعاصمته مدينة طبرية.
وشكّلت أراضي كل من فلسطين الأولى والثالثة : جند فلسطين وعاصمته بيت المقدس، ومثلّت بيسان واللجون حدوده الشمالية مع جند الأردن، وأيله على البحر الأحمر أقصى نقطة في حدوده الجنوبية، في حين شكل كل من البحر الأبيض المتوسط، وصحراء سيناء المصرية حدوده الغربية، وشكلت السفوح الغربية لجبال البلقاء والشراة حدوده الشرقية.
المؤسسات الإدارية:
من أهم المؤسسات الإدارية التي كانت موجودة في فلسطين : ديوان الجند والخراج والرسائل وبيت المال، والقضاء والقصص، ودور السكة (ضرب النقود) .
تألف الجهاز الإداري لجند فلسطين من الوالي وعماله على الكور والمدن وبيت المال والدواوين والشرطة، والحجابة، والقضاء، والقصص.
كان والي بيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب (16-23هـ) كل من علقمة بن مجزز الكناني، وعبادة بن الصامت الأنصاري؛ وشغل منصب عامل بيت المقدس في خلافة عثمان (24-35) كل من شداد بن أوس الأنصاري، وتميم بن أوس الداري؛ وتولاه في أثناء الفتنة (35-40هـ) سلامة بن قيصر الحضرميّ.
وردت أسماء بعض من تولى القضاء والقصص في بيت المقدس زمن الراشدين، فيذكر أن عبادة بن الصامت تولى القضاء في خلافتي عمر وعثمان، وأن الصحابيين تميم الداري وأبا ريحانة شمعون الأزدي شغلا وظيفة القاص(الواعظ) في مسجد بيت المقدس.