تاريخ البلدة القديمة
يمتد تاريخ البلدة القديمة في قلب مدينة القدس المحتلة إلى آلاف السنين وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهي تتعرض منذ احتلالها من قبل الإسرائيليين عام 1967 لحملات تهويد متعاقبة تأخذ أشكالا مختلفة وتستهدف كل معالمها بما فيها المقدسات.
البلدة القديمة" أو "القدس القديمة"، هي مركز مدينة القدس، وهي المكان الموجود داخل سور سليمان القانوني، مساحتها 871000م٢ ، أي أقل من كيلو متر مربع واحد يعيش فيها أكثر من 31,000 نسمة، أما ارتفاعها عن سطح البحر فهـو 75 مترا، وتشكّل الأوقاف الإسلامية 437٪ من مساحتها، فيما تُشكل أملاك الكنائس والأوقاف المسيحية 46.3٪ منها .
تبلغ مساحة البلدة القديمة نحو 900 دونم، أي ما نسبته 0.71% من المساحة الكلية للمدينة بشقيها الغربي المحتل عام 1948، والشرقي المحتل عام 1967.
وفي حال إتمام إسرائيل خطتها القاضية بتوسيع حدود القدس لتصبح 600 كيلومتر مربع, ستتقلص مساحة البلدة إلى أقل من 0.15% من المساحة الكلية.
يحيط بالبلدة القديمة سور ضخم بناه السلطان العثماني سليمان القانوني -الذي حكم المدينة ما بين 1520 و1566 ميلادية- على أنقاض السور الروماني القديم. ويبلغ طول السور 3662 مترا، في حين يتراوح ارتفاعه بين 11.6 و 12.2 مترا.
وعلى السور 34 برجا للمراقبة والدفاع عن المدينة، وبه أحد عشر بابا، سبعة منها مفتوحة وهي: باب الأسباط، وباب العامود، وباب الساهرة، والباب الجديد، وباب الخليل، وباب المغاربة، وباب النبي داود. وأربعة مغلقة.
لقد عُرفت المدينة عبر تاريخها بأسماء مختلفة: مثل اورساليم، ويبوس، واليا كابتولينا، والمدينة، وبيت المقدس والقدس. ويمثل تاريخها ومعالمها الثقافية والدينة شهادة استثنائية على الحضارات التي نمت وازدهرت خلالها المدينة منذ العصور البرونزية والحديدية، والفترة اليونانية والرومانية والبيزنطية والإفرنجية، والأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.
وتعتبر البلدة القديمة بمعالمها وأسوارها واحدة من أكثر المدن الاسلامية القديمة المصانة بشكل جيد في العالم، وهي تتكون من أربعة أحياء أو حارات تعكس الثقافات المتنوعة والديانات التي احتضنتها المدينة المقدسة، والتي انعكست على تخطيطها وهندستها المعمارية ومبانيها المقدسة، وطرقها وأسواقها وحاراتها السكنية.
ولا تزال التقاليد الثقافية والدينية حية في مدينة القدس حتى هذا اليوم، مما جعل منها قلبا نابضا بالتاريخ البشري. وتتويجا لهذه الأهمية الاستثنائية أُدرجت مدينة القدس القديمة واسوارها على لائحة التراث العالمي في عام 1981، وفق المعايير الثاني والثالث والسادس من قبل المملكة الأردنية الهاشمية، وفي العام التالي (1982) تم أدراجها على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.
السور التاريخي
يحيط بالبلدة القديمة سور تاريخي بناه الكنعانيون للمرة الأولى ثم أعيد بناؤه في العصور اليونانية والرومانية والصليبية والأيوبية والمملوكية، وآخر بناء له يعود للفترة العثمانية وأمر بتشييده السلطان العثماني سليمان القانوني.
يمتد سور القدس بطول نحو 4 آلاف و300 متر، ويتراوح ارتفاعه بين 5 و15 مترًا بما يتلاءم مع جغرافية المكان , ويوجد في السور 36 برجًا دفاعيًا في المنطقتين الشمالية والشمالية الغربية، ويتراوح سمكه بين متر واحد وأربعة أمتار.
ما زال السور شامخًا محافظًا على هيبته رغم مرور 500 عام على بنائه الأخير، وعلى آلاف السنين من حضارة القدس العربية الإسلامية التي مضى عليها الكثير من الحكام والحضارات التي أتت غازية أو محتلة أو محررة.
أبواب القدس القديمة
*- يحتوي سور القدس على 13 بابًا تعتبر المداخل للبلدة القديمة.
*- يبلغ عدد الأبواب المفتوحة ثمانية هي: باب العامود وباب الأسباط وباب الخليل وباب النبي داوود وباب الدمن، بالإضافة إلى باب الساهرة وباب المغاربة وباب الجديد.
*- الأبواب الخمسة المغلقة هي باب الرحمة وباب الجنائز والباب المفرد والباب المزدوج والباب الثلاثي.
*- باب العامود هو الباب الأكثر فخامة من ناحية الزخارف، وهو الممر الرئيسي لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية منذ العهد العثماني.
*- باب الرحمة المغلق يعد من أضخم الأبواب وأقدمها وهو بناء أموي نموذجي.
*- باب المغاربة فتح على يد الجنود الأردنيين عام 1953.
أسواق البلدة القديمة
*. ما زال عدد من أسواق البلدة القديمة في القدس شامخًا رغم الإجراءات الاحتلالية التعسفية اليومية بحق التجار وبضائعهم.
*. من أبرز الأسواق المفتوحة رغم إغلاق بعض حوانيتها هي: سوق خان الزيت وسوق باب السلسلة وكل من سوق العطارين واللحامين والخواجات، بالإضافة لسويقة علّون وسوق أفتيموس والقطّانين.
*. بعض أسواق البلدة القديمة اندثرت تمامًا كسوقي الباشورة والحُصُر.
*. تعاني كافة الأسواق من الركود وضعف الحركة الشرائية، ويعاني التجار من فرض ضرائب باهظة تراكمت على كثير منهم بسبب عجزهم عن دفعها.
*. يعاني تجار البلدة من هجمة تحريضية ممنهجة من الأدلاء السياحيين الإسرائيليين الذي يمنعون السياح من الشراء من حوانيت البلدة القديمة ويحثونهم على الشراء من الأسواق الإسرائيلية فقط.
للبلدة القديمة في القدس مكانة دينية خاصة، فهي أرض الأنبياء وموطن الرسالات، وهي عند المسلمين بوابة السماء فإليها سري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنها عُرج به إلى السماء، ومسجدها الأقصى كان القبلة الأولى للمسلمين في صلاتهم وهو أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال وفيها الصخرة التي ستكون أرض المحشر والمنشر ، وهي الأرض المقدسة والمبارك ما حولها.
أما عند المسيحيين فهي أرض دعوة المسيح عليه السلام التي كانت شاهدة على معجزاته، وفيها تأمر عليه أعداؤه، ويعتقدون أن أرضها شهدت بعثته إلى الحياة من جديد، واحتضنت جسده حين دفن، وهي الأرض المقدسة التي إليها يتوجه حجهم في كل عام وفيها كنيسة القيامة التي تقوم فوق القبر المقدس" الذي يعتقدون أن المسيح دفن فيه، وهي كما دل اسمها شاهدة على قيامته بعد المؤامرة عليه.
تأسست مدينة القدس عام ٣٠٠٠ ق.م على يد اليبوسيين، وهم فرع من الكنعانيين. واستمر حكمهم للمدينة ١٣٢٥ عامًا حتى عام ١٦٧٥ ق.م. لتدخل المدينة تحت سيطرة الهكسوس لمدة ١٦٤ عاما شهدت في العام ١٦٥٦ ق.م بعثة سيدنا يعقوب. بعد الهكسوس حكم الفراعنة القدس مدة ٢٠٠ عام تقريبا، ثم عام ١٠٠٤ ق.م دخل نبي الله داوود إلى فلسطين وأنس مملكة للحق والعدل، ورثها من بعده نبي الله سليمان عليه السلام الذي توفي عام ۹٢٣ ق.م لتنقسم الممالك من بعده إلى إسرائيل في الشمال واستمرت ٢٠٢ عامًا حتى سقطت على يد الأشوريين عام ٧٢١ .ق.م، ويهوذا في الجنوب وكانت القدس تحت سيطرتها واستمرت ٣٣٧ عاما لتسقط عام ٥٨٦ ق. م على يد ١٣٥م. عام ٣٢٦م أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للأمبراطورية الرومانية، وجاءت الامبراطورة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين إلى فلسطين وبنت كنيسة القيامة، وبعد انقسام الامبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية عام ٣٩٥م أصبحت القدس تحت الحكم البيزنطي.
عام ٦١٩م كانت رحلة الإسراء والمعراج، حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومنه إلى السماء، لتدخل القدس تحت الحكم الإسلامي مع الفتح العمري عام ٦٣٦م، وتنعم بالطمأنينة تحت هذا الحكم حتى الاحتلال الصليبي عام ١٠٩٩م الذي استمر ۸۸ عاماً حتى ١١٨٧م، حين حرر المسلمون القدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي نعمت المدينة بعدها بالحكم الإسلامي حتى ١٩٦٧ حين أحكم الاحتلال الصهيوني قبضته. على فلسطين، وسقطت القدس القديمة بكل مقدساتها الإسلامية والمسيحية في قبضة المحتل من جديد بعد ١٢٤٣ عاما من الحكم الإسلامي.
البابليين. تناوب على حكم القدس بعد ذلك كل من الفرس ١٨٤ عاما، اليونان ۱۸۸ عاما، المكابيون وهم ملوك يهود حصلوا على نوع من الحكم الذاتي تحت السلطة اليونانية ١١٧ عامًا، ومن ثم الرومان الذين أنهوا كل أشكال اليهود في المدينة عند إخمادهم لثورة اليهود عام
المعالم المقدسة
تحتضن البلدة القديمة في القدس المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
* تبلغ مساحة المسجد الأقصى 144 دونمًا ويحتل سدس مساحة البلدة القديمة.
* يضم المسجد الأقصى أبنية كثيرة، ويصل عدد المعالم فيه إلى مئتي معلم منها قباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار.
* في المسجد الأقصى ثمانية مصليات، هي المصلى القبلي ومصلى قبة الصخرة والمرواني والأقصى القديم ومصلى البراق والمغاربة وجامع النساء.
* يدنس المستوطنون المتطرفون المسجد الأقصى المبارك خمسة أيام أسبوعيًا، وشهد باحات المسجد خلال العام الأخير تجاوزات خطيرة إذ لا يتردد المتطرفون في أداء طقوس تلمودية داخل المسجد وفي إبرام عقود زواج يهودية في باحاته.
* تعتبر كنيسة القيامة أبرز المعالم المسيحية داخل البلدة القديمة وتضم الكنيسة خمسة مراحل من مسيرة آلام سيدنا عيسى عليه السلام حسب المعتقد المسيحي.
* يقصد الكنيسة السياح من دول كثيرة، وتتجه أنظار العالم نحوها في عيد الفصح إذ يعتقد المسيحيون أن النور ينبعث من القبر المقدس ويرددون صلوات تحت شعار “المسيح قام حقًا قام”.
وشكل الاستيطان في البلدة القديمة الركيزة الإسرائيلية للضغط على العرب، وبدأت مصادرة الأراضي والممتلكات وإقامة البؤر الاستيطانية منذ مجيء الاحتلال عام 1967.
غيّر الاحتلال كثيرا من معالم البلدة القديمة بما في ذلك أسماء شوارعها، وشمل التغيير بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالتوازي مع الحفريات وشبكات الأنفاق أسفلها.
ويفرض الاحتلال على السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة ضرائب باهظة ويمنعهم من البناء، كما تعاني البلدة من الركود التجاري وارتفاع البطالة والازدحام في السكن.
وتعد البلدة القديمة أحد أحياء القدس الرئيسة الثمانية، قسمتها "إسرائيل" منذ احتلال المدينة عام 1967م، إلى أربعة أحياء بتسميات توحي أنها دينية، هي "الحي الإسلامي، الحي المسيحي، الحي الأرمني، والحي اليهودي"، لإثبات وجود حي يهودي في المدينة المحتلة، أن بلدية الاحتلال دائمًا ما تختلق تسميات عبرية لأحياء وبلدات وشوارع مقدسية، في إطار مساعيها الرامية إلى طمس المعالم العربية الإسلامية، تهويد المدينة بالكامل، ولاسيما بلدتها القديمة.
أن "بلدية الاحتلال استبدلت عشرات الطرقات والأزقة والشوارع في البلدة القديمة بأسماء عبرية جديدة، بهدف تزوير التاريخ وغسل أدمغة الناس، وكي تكون القدس جزءًا من التاريخ اليهودي المزور".
أن الاحتلال أطلق اسم "الحي الإسلامي" للدلالة على وجود حي آخر وهو "الحي اليهودي"، لكن في حقيقية الواقع لا يوجد أي تسمية لهذه الأحياء في البلدة القديمة، بل هي حارات مقدسية تاريخية، كل معالمها وأثارها ومبانيها تُدلل على عروبتها وإسلاميتها.
ويشمل "الحي الإسلامي"، وفق التسمية الإسرائيلية، كل المنطقة الشمالية الشرقية، التي تمتد من باب العامود وصولًا إلى شارع الواد، والمسجد الأقصى وباب الساهرة وباب الأسباط، ويضم حارات السعدية، باب حطة، الواد، باب السلسلة، حارة الغوانمة، بالإضافة إلى الكثير من المعالم الأثرية الإسلامية.
أما "الحي المسيحي"فيُسمى مقدسيًا "حارة النصارى"، والتي تقع شمال غربي البلدة القديمة، وتمتد من باب الجديد شمالًا على طول الجدار الغربي من المدينة القديمة وصولًا إلى باب الخليل، وتضم كنيسة القيامة ومسجد عمر بن الخطاب، وسوق الدباغة، والكثير من الأديرة والكنائس.
أن "حي الأرمن" يُسمى حارة الأرمن، ويعد أصغر أحياء المدينة المقدسة، ويقع جنوب غربي البلدة القديمة على مساحة نحو 300 دونم، وتعد بطريركية الأرمن من أهم أبنيتها، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى الأرمن الذين جاؤوا للقدس.
وتمتد الحارة من محيط القشلة في باب الخليل، حتى حارة الشرف بالجنوب الشرقي من مدينة القدس، وتضم مجموعة من البيوت كانت في السابق مأوى للحجاج وأصبحت لاحقًا بيوتًا مؤجرة للأرمن، إضافة إلى دير الأرمن المكون من حيز للعبادة ومدرسة ومتحف وعيادة طبية.
أن الاحتلال بعد حرب 1967 دمر حارتا الشرف والمغاربة جنوب شرقي البلدة القديمة بالكامل، وطرد آلاف الفلسطينيين منها، وحولها إلى ما يعرف بـ"الحي اليهودي"، والذي تقام حوله ساحة حائط البراق.
الحفريات أسفل البلدة القديمة
بعد احتلال مدينة القدس عام 1967 انطلقت حفريات الاحتلال الإسرائيلي أسفل المسجد الأقصى المبارك.
بداية عام 1968، بدأت حفريات كبيرة جنوب الأقصى وغربه وصلت إلى عمق 14 مترًا كشفت عن بقايا آثار القصور الأموية.
بدأت الحفريات في النفق الغربي عام 1970 ويمتد النفق من أسفل المحكمة الشرعية بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى من الجنوب إلى الشمال مرورًا بخمسة أبواب من أبواب الأقصى.
يعتبر النفق الغربي الذي افتتح عام 1996 خلال حكم بنيامين نتنياهو الأشهر والأطول، وهو أهم نفق حفره الاحتلال ويصل طوله إلى نحو 450 مترًا، وارتفاعه إلى مترين ونصف، ويحتوي على متحف ومطاهر وكنس وعروض وغيرها.
حفر الاحتلال أيضًا سلسلة أنفاق أخرى كنفق باب القطانين ونفق حمام العين ونفق مغارة سلوان وغيرها.
المصادر :
https://tourism.ps
https://www.marefa.org/
https://palwiki.najah.edu
http://awraq.birzeit.edu/
https://www.aljazeeramubasher.net/