الهوية الحضارية للقدس

تاريخ وعروبة القدس

فلسطين عربية خالصة… هذا ما يقوله التاريخ، وإذا كانت إسرائيل تعمل على تهويد وتحرير ما يسمى بأرض الميعاد مع التركيز على مدينة القدس، عبر تزييف التاريخ القديم بوصفها مدينة الاباء، حيث هيكل سليمان، معتمدة في ذلك على الدراسات التوراتية التقليدية، التي تؤكد وجود مملكة إسرائيل القديمة بأرض فلسطين، وإعادة صياغة الحقائق والوقائع التاريخية، فإن الدراسات النقدية للعهد القديم أو ما يسمى بالتوراة، والكتابات التاريخية القديمة، ونتائج الحفريات التي أجريت بالمنطقة بشكل عام، والقدس بشكل خاص، تثبت ملكية المدينة والمنطقة للعرب دون غيرهم، والا نصيب للاسرائيليين فيها ، وأما ما يروج له اليهود عبر مراكز األبحاث المنتشرة فى العالم، لا يعد إالا تزييفا للحقائق.

وقد عكف مجموعة من الباحثين المتخصصين، على تحقيق عروبة القدس خاصة، وفلسطين عامة، ألنه من األهمية دحض محاوالت التنكر للتاريخ العربي لمدينة القدس، سواء كان هذا التنكر من جانب اليهود، أم من جانب َمْن حذا حذوهم، وتؤكد مظاهر االنقسام الفعلي على أرض الواقع، بين شطري مدينة القدس، الشرقي والغربي، والمالمح المميزة للشطر الشرقي، البعد التاريخي لعروبة مدينة القدس، إذ أن أصالة عروبة شطرها الشرقي تفضح مظاهر الوجود الصهيوني المستحدث في شطرها الغربي.

وهناك لجنتان إقليميتان معنيتان بشؤون القدس مكلفتان بحمايتها والدفاع عنها هما لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الاسلامي - المؤتمر الاسلامي سابقا - التي تأسست عام 1975، واللجنة الملكية الاردنية لشؤون القدس، بالاضافة إلى القرارات الدولية الاممية التى تحدد جميعها وضع القدس وتنكر أي حق مزعوم لليهود وحدهم فيها، بخالف اآلالف من بيانات الشجب واإلدانة العربية والاسلامية للاجراءات التي تتخذها إسرائيل علي الارض من تهويد للقدس والسعي لخلخلة تركيبتها السكانية والاستيلاء علي المسجد األقصي.

القدس فى المعاجم اللغوية

جاء في لسان العرب، في مادة )قدس( : القدس : هو الطاهر المُنزه عن العيوب والنقائص، والقُدس اسم ومصدر، ومنه قيل للجنة حظيرة القدس. والتقديس: التطهير والتبريك، وتقدس أى تطهّر.

وأضاف ابن منظور في لسان العرب. : ومن هذا بيت المقدس،أى البيت المطهّر، أى المكان الذي ُيتطهّر به من الذنوب.، والقدس البركة، وأما الأرض المقدسة، فهي الشام، وبيت المقدس منه ثم يذكر : األرض المقدسة : المطهرة، وهي دمشق، وفلسطين، وبعض األردن.

وقد بارك الله -تعالى- ما حول المسجد الاقصى ويعني بهذا: مدينة القدس بأكملها، وكانت المباركة بالثمار، وأمتعة الدنيا ثم باألنبياء والصالحين الذين عاشوا على أرضها ينشرون الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ودُفنوا فيها، وسُمي األقصى: أقصى كما يقول القرطبي لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في األرض ُيعظم بالزيارة وإليه كان مسرى المصطفى -عليه الصالة والسالم- ومنه معراجه إلى السماء.

القدس .. أسماء متعددة على مر التاريخ

تطلق على مدينة القدس أسماء عديدة، ارتبطت بتاريخها، ونشأتها، وسكانها، وهي أسماء يتوقف عندها علماء اللغة، والعلماء المعنيون بالحضارة اإلسالمية، وهي أسماء ذات دالالت معينة تراكمت للمدينة المقدسة على مر العصور، وجاءت دالة على عروبتها وتراثها الحضاري، ومكانتها الدينية، وورد استعمال هذه األسماء في القرآن، والحديث، والتاريخ، واألدب، وكتب الرحالت، وكتب فضائل البلدان عامة، وكتب الفضائل التي تتحدث عن المدينة المقدسة.

القدس هي أكبر مدن فلسطين ويبلغ تعداد سكانها حسب إحصاء عام 2016 تسعين ألف نسمة، وقد عرفت القدس بأسماء عديدة علي مر عصورها التاريخية من أهم هذه األسماء: "يبوس" نسبة إلي منشئيها من اليبوسيين العرب، و"أورشالم" : أى مدينة السالم، أو مدينة سالم ، "أوشاميم" تسمية

أطلقها عليها المصريون، "هيروساليما": التسمية اليونانية للمدينة، "إيلياكابيتولينا": التسمية التي أطلقها الرومان علي المدينة بعد تدميرها وإعادة بنائها من جديد، ثم اختصر االسم إلي إيلياء أو إيليا عندما فتحها المسلمون، وأخيراً "بيت المقدس" )القدس(: التسمية التي أطلقها العرب المسلمون علي المدينة، أما "جروسالم" فهي التسمية اإلنجليزية وباقي التسميات األوروبية قريبة من هذه الصيغة.

أورشليم اسم عربى وليس عبرى

كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية، قبل الميالد بنحو أربعة آالف عام، واستقرت على الضفة الغربية لنهر األردن، وهى المنطقة الجبلية من فلسطين وسميت األرض من النهر إلى البحر، بـ "أرض كنعان"، وأنشأ الكنعانيون مدينة )أورسالم( الذى يعد أول اسم ثابت لمدينة القدس، وتشير اآلثار والوثائق والمصادر العبرية إلي أن االسم "أورشليم" ليس عبريًا، بل عربى كنعاني، وأصله "أور سالم"، بمعني "مدينة سالم"، أو "مدينة السالم"، "مدينة السالمة"، حيث كانت قديمًا محط القوافل التجارية، فإذا وصلتها كانت آمنة تنعم بالسالم.

-يشهد مصدر اليهودية األول، كتاب )العهد القديم(، علي عربية هذا الاسم، وأنه ليس عبريًا. فقد ورد الاسم "أور سالم" 656 مرة بدون ياء بعد اللام ؛ يروشالم، وهي الصيغة العربية، ولم يرد سوي 4 مرات بياء بعد اللام "يروشالَيم"، أى بصورتها في اللغة العبرية، والدليل على ذلك معجم ألفاظ كتاب العهد القديم بالعبرية، وهذا يدل علي أن الاسم في الاصل هو "أور سالم"، مدينة السالم العربية، وصيغت التسمية العبرية المحرّفة علي وزن مصرايم التي هي مصر بالعبرية.

ورد اسم الـ "قدس" في العهد القديم في موضعين في سفري أشعيا، ونحميا.. وهكذا فالاسماء الرئيسية للمدينة كانت سابقة لوجود بني إسرائيل فيها، كما الا يمكن نسب هذه األسماء للغة العبرية ألانها سابقة كذلك علي ظهور تلك اللغة.

جزء من الجدار الذى بناه اليبوسيون في فلسطين

كانت بعثة أثرية بريطانية قد أجرت أعمال التنقيب فى القدس ولم تعثر إلا على فخاريات منقوش عليها، باللغة الكنعانية، وكشفت تلك البعثة أن المؤسسين الاوائل لمدينة القدس هم اليبوسيون، كما كان بالمنطقة التي وجدت بها تلك اآلثار قلعة لليبوسيين، الذين أقاموا مساكنهم فى البداية، على بعض المرتفعات المجاورة لنبع ماء يطلق عليه اليوم عين أم الدرج، في قرية سلوان الواقعة في الضاحية الجنوبية من مدينة القدس الحالية. وحصَّن اليبوسيون ذلك الموقع، أو تلك المدينة، وبمرور الزمن، هجرت تلك المدينة، وحلت محلها نواة رئيسية لمدينة أكبر، تقوم على مرتفعات وتلال أخرى، هي: مرتفع الزيتون، مرتفع الحرم، مرتفع صهيون.

وتذكر مصادر تاريخية أخرى أن الملك اليبوسي )ملكي صادق( هو أول من بنى يبوس، وكان محباً للسلام، حتى أطلق عليه "ملك السلام"، ومن هنا جاء اسم المدينة )سالم(. وبرغم أن تلك المدينة قد خضعت لفراعنة مصر، فلم يحاولوا تمصيرها، واكتفوا بتحصيل الجزية من سكانها، وكانوا يطلقون عليها تارة اسمها اليبوسي )يابيشي(، وتارة اسمها الكنعاني )أورسالم(.

الريادة للعرب في أرض فلسطين

تثبت المصادر التاريخية ريادة العرب -الكنعانيين ـ العموريين ـ اليبوسيين(في تعمير أرض فلسطين، وتشييد مدنها وقراها وتتفق جميعها، ومعها مصادر يهودية على حقيقة أن تلك األرض كانت ملكاً لهؤالء العرب، قبل أن تطأها قدما أبى األنبياء إبراهيم عليه السالم وقبل أن يكون هناك يهودية أو يهود وظلت تلك األرض عربية على طول تاريخ مدينة القدس، ولم يكن لبني إسرائيل غير عالقة عارضة بهذه المدينة العريقة، كتلك التي قضوها في بقاع أخرى من العالم فيما بعد.

 

شهادات على عروبة القدس

 لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية عن الادعاء بحق تاريخي لليهود في القدس برغم أن الواقع يثبت عكس ذلك ويتضح ذلك في كثافة الوجود العربي بالبلدة القديمة بالقدس، الذى يحفظ لها هويتها العربية، واضحة المعالم في مظهرها العام، وطبيعة حياتها اليومية، وأنشطتها وآثارها، وبنيتها الديموجرافية، إذ أن عدد السكان العرب أكبر بكثير من اليهود، وذلك برغم كل الممارسات التي تستهدف اغتيال عروبة هذه المدينة، من مصادرة للأراضي، وهدم للمنشآت )سكنية، زراعية، صناعية، إدارية(، وسياسات استيطان ،داخل البلدة، وحولها، وأعمال ترانسفير وتهويد منظمة، وفيما يلى بعض الدلائل التى تفند تلك المزاعم :

وثيقة الأزهر الشريف عن القدس 7100

أصدر الأزهر في 71 نوفمبر 7100 وثيقة بعنوان "وثيقة الأزهر عن القدس الشريف"، تضمنت تفنيداً تاريخياً للمغالطات التي تتعلق بـ"يهودية القدس."

وشددت الوثيقة على أن "عروبة القدس تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرن اً.. حيث بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل عصر أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - بواحد وعشرين قرن اً.. وقبل ظهور اليهودية التي هي شريعة موسى -عليه السلام- بسبعة وعشرين قرنا."

وأوضحت الوثيقة أن "شريعة موسى - عليه السلام - وتوراته قد ظهرت بمصر، الناطقة باللغة الهيروغليفية قبل دخول بني إسرائيل غزاة إلى أرض كنعان، وقبل تبلور اللغة العبرية بأكثر من مئة عام ،ومن ثم فلا علاقة لليهودية ولا العبرانية بالقدس ولا بفلسطين."

ولفتت الوثيقة إلى أن "الوجود العبراني في مدينة القدس لم يتعد 401 عاماً بعد ذلك، على عهد داوود وسليمان - عليهما السلام - في القرن العاشر قبل الميلاد.. وهو وجود طارئ وعابر حدث بعد أن تأسست القدس العربية ومضى عليه 01 قرناً من التاريخ."

وذكرت الوثيقة إنه "إذا كان تاريخ القدس قد شهد العديد من الغزوات والغزاة، فإن عبرة التاريخ تؤكد دائماً أن كل الغزاة قد عملوا على احتكار هذه المدينة ونسبتها لأنفسهم دون الآخرين.. صنع ذلك البابليون والإغريق والرومان وكذلك الصليبيون.. ثم الصهاينة الذين يسيرون على طريق هؤلاء الغزاة، ويعملون الآن على تهويدها واحتكارها والإجهاز على الوجود العربي فيها."

وقالت وثيقة الأزهر "لقد صنع الغزاة ذلك، بينما تفرد الإسلام الذي تميز بالاعتراف بكل الشرائع والملل واحترم كل المقدسات وتفرد بتأكيد قداسة هذه المدينة وإشاعة ذلك بين كل أصحاب الديانات والملل.. الأمر الذي جعل - ويجعل- من السلطة العربية على القدس ضماناً لمصالح الجميع، فالقدس في ظل السلطة العربية هي - دائم اً- مدينة الله، المنفتحة الأبواب أمام كل خلق الله وعباده."

وشددت وثيقة الأزهر على أن "احتكار القدس وتهويدها - في الهجمة المعاصرة - إنما يمثل خرقاً للاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية التي تحرم وتجرم أي تغيير لطبيعة الأرض والسكان والهوية في الأراضي المحتلة، ومن ثم فإن تهويد القدس فاقد للشرعية القانونية، فضلاً عن مخاصمته لحقائق التاريخ التي تعلن عروبة القدس منذ بناهها العرب البيوسيون قبل أكثر من 81 قرنا من الزمان."

 

الإمام الأكبر يرد على الأباطيل الصهيونية حول القدس

 قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إن ادعاء اليهود بأن المسلمين ليس لهم حق فى القدس وأنها لم تذكر فى القرآن الكريم هو من قبيل الترَّهات التى تخلو من أى مضمون علمى أو تاريخى، والمشكلة فى أننا كعرب ومسلمين غير مهيئين للتعامل مع القضية بالجدية الواجبة، وسبب ذلك هو الأمية الثقافية التى وقع فيها شباب العرب والمسلمين فى مقابل شباب صهيونى لديه الحظ الوافر من المعلومات بغض النظر عن كونها صحيحة أو مضللة أو مغلوطة، ولكنها كونت لديه رؤية وصورة ذهنية على أسس تاريخية، جعلت عنده استعدادا للدفاع والتضحية من أجل قضيته، بينما شبابنا لا يعرف شيئاً عن هذه القضية، ولذلك لا بد من التركيز على مشكلة القدس فى المراحل التعليمية المختلفة، بحيث يستنير الطالب العربى مسلماً كان أو مسيحياً بمعلومات يستطيع من خلالها أن يكتشف زيف الصهيونية وادعاءاتها فى عدم أحقية المسلمين والمسيحيين فى مدينة القدس، والكتب فى هذا الشأن كثيرة جداً، ولكنها لا تصل للقاعدة العريضة من الشعب، وأضاف فضيلته أن الكيان الصهيونى زُرع كخنجر فى خاصرة العالم العربى للقضاء عليه، ولكى تبقى لهذا الكيان الغاصب الكلمة الأخيرة فى المنطقة، و ذكرأن كلينتون استيقظ واطمأن أن الحل الجديد للدولتين لا يصطدم مع السفر اليوشعى ،وأشارإلى كتاب اسمه «الكتاب المقدس والاستعمار» ألفه القس مايكل برير الذى عاش فى فلسطين، و عنوان الكتاب ذو دلالات عميقة، وهو ليس من تأليف العرب والمسلمين، وإنما هو عنوان المؤلف، وهو يوضح أن التوراة كانت وراء الاستعمار، ومن يقرأ فهرسه يرى كيف تحدث عن الأرض وقيمتها فى التوراة فى سفر يوشع وأسفار أخرى، وبين فضيلة الإمام الأكبر أن هذه النصوص هى وراء هذا الاستعمار، فالتفسير المغلوط لنصوص معينة من التوراة هى التى أذاقت العالم الويلات، وهى التى بررت استعمار الغير، وأخيراً استعمار فلسطين، وهناك كتاب آخر لمحمد جلال إدريس، قدم فيه القدس أو أورشليم ليس من وجهة نظر المسلمين أو المسيحيين ولكن من وجهة نظر الفكر الدينى الإسرائيلى سواء من خلال التوراة أو شروحها، واعتمد فى إثبات أن القدس عربية وليست إسرائيلية وأن إسرائيل ليس لها أى حق بها، على الكتب الدينية اليهودية، وأضاف الامام الأكبر نحن بحاجة لترويج مثل هذه الأفكار. وأكد أن من يقول إن القدس لم تذكر باسمها فى القرآن ويستدل بذلك على عدم أحقية المسلمين بالقدس، فإن كلامه يشبه كلام هذيان محقق، فالقدس فعلاً لم تذكر باسمها وهو من علامات إعجاز القرآن الكريم، ولكنها ذكرت فى القرآن بالوصف: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله» أى إنها بلدة مباركة، فالقرآن لم يذكرها باسمها لسبب بسيط جداً وهو أنه لو استعرضنا أسماء القدس على مدار التاريخ من أول اليبوسيين لوجدنا أنها ذكرت بعدة أسماء وكان الاسم يتغير حسب الاستعمار، فقد استعمرت من الفرس والبابليين والرومان حتى العهد الإسلامى، فذكرت مرة باسم إيلياء وباسم يبوس وباسم مدينة داود.

 وأوضح فضيلته أن مدراش اليهود ينص على أن مدينة القدس لها سبعون اسماً فى المدراش، ولذلك لم يذكرها القرآن باسم أو اثنين من السبعين وإنما ذكرها بوصفها المستمر الذى لا يتغير، أما مكة مثلاً فذكرت باسم بكة ومكة، ولم يتغير اسمها حتى الآن، فذكرها باسمها لأنه لما ذكرها به عرف الناس هذا المكان، لكن لو اختار أى اسم من السبعين، التى يذكرها اليهود وليس المسلمين أو العرب، ألم يكن ذلك يقدم حجة لليهود على أن يستمسكوا بأكاذيبهم، وأن القدس ليس فيها للمسلمين موطئ قدم، فذكرها بوصفها لأن الوصف ثابت، أما الأسماء فتتغير من جيل إلى جيل ومن استعمار إلى استعمار. 

واستكمل فضيلة الإمام الأكبر أن الادعاء بأن سيدنا عمر بن الخطاب لم يصُلِّ فى الأقصى، سفسطة ضد التاريخ وضد الواقع وضد المصادر التاريخية المعتمدة، فقد صلى سيدنا عمر بن الخطاب فى المسجد الأقصى، وذكر ابن كثير ذلك فى كتاب البداية والنهاية فى الجزء التاسع صفحة 811، تحت عنوان كبير «فتح بيت المقدس على يدى عمر بن الخطاب» يقول فيه: «وسار بالجيوش نحوهم ،واستخلف على المدينة على بن أبى طالب، وسار العباس بن عبدالمطلب على مقدمته، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبوعبيدة ورءوس الأمراء كخالد بن الوليد، ويزيد بن أبى سفيان، فترجل أبوعبيدة وترجل عمر، فأشار أبوعبيدة ليقبل يد عمر، فهم عمر بتقبيل رجل أبى عبيدة، فكف أبوعبيدة، فكف عمر. ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث، ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذى دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ويقال: إنه لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ فى الأولى بسورة «ص» وسجد فيها والمسلمون معه، وفى الثانية بسورة «بنى إسرائيل» ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها... ثم نقل التراب عن الصخرة فى طرف ردائه وقبائه» لأن الرومان كانوا يرمون عليه المزابل، وسيدنا عمر هو من نظف ذلك بنفسه ووضعه فى ردائه، وطهر هذا المكان، وفى العهدة العمرية أتاحها للمسيحيين وللمسلمين. وكشف فضيلته أن المسجد كان قائماً ولكن الشبهة فى أن مسجد قبة الصخرة بناه فعلا الوليد بن عبدالملك، ولكن هناك فارقا كبيرا بين مسجد قبة الصخرة وبين المسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى فى ذلك الوقت لم يكن عليه بناء، وهذا مثل الكعبة، فالكعبة لم يبنها سيدنا إبراهيم وإنما أعاد بناءها «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل» فالقواعد كانت موجودة، وكل ما فعله سيدنا إبراهيم أنه رفعها، وهكذا كان المسجد الأقصى ثم بنى بعد ذلك على قواعده، أى حدث له ما حدث للكعبة أو للبيوت المقدسة من زلازل وأمطار واعتداءات، فتهدم ثم تقام، وحينما صلى سيدنا عمر فى هذا المسجد لم يكن عليه بناء، لكنه كان محدداً ومعروفاً، فهناك المكان الذى دخل منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والصخرة التى ركب عليها وركب البراق، وكل هذا مسجل فى تاريخ المسلمين، فعندما يأتى شخص مسلم أو غير مسلم ويقول: إن سيدنا عمر لم يصل فى بيت المقدس فهو إما جاهل بالتاريخ أو لا يفهم دلالات النصوص ولا يتذوق سياقاتها. وبين الإمام الأكبر أن الذى يشجع هؤلاء على الظهور ونشر الأكاذيب هو ضحالة ثقافة الناس فى مثل هذه المسائل.

 

 عُروبة القدس طبقاً لنصوص التوراة

 -أكّد د.ل. كارنييف أن الفلسطينيين المعاصرين هم أصحاب الحق، وأن الكنعانيين هم سكان فلسطين عبر التاريخ وأن إسرائيل في الأصل قبيلة صغيرة، قامت بالغزو طمعاً في أرض كنعان ذات الثقافة العالية التي سميت بعد ذلك فلسطين وإن المؤرخ اليهودي )يوسيفوس فلانيوس( وصف القدس، فلم يذكر شيئا عن الهيكل وهذا يعني أن الهيكل الذي دمره تيطسً  لم تقم له قائمة بعد ذلك ،ومنذ عام٧١٧ م إلى الفتح الإسلامي لم يكن يسُمح لليهود بالإقامة في القدس إن القدس عربية خالصة، وما وجد اليهود فيها إلا لفترة انتقالية على عهدي )داود وسليمان(.  

-أكدت دراسة في التاريخ والأديان عن عُروبة القدس وأسبقية الوجود العربي فى فلسطين استندت إلي نصوص التوراه : أن الإعلامُ الغربى يتبني الأفكار اليهودية حول ما يسُمى "أرض الميعاد" أو "الحق اليهودي" في أرض فلسطين، باعتبارها أرض "الشعب اليهودي" وحده، وبحسب الدراسة ، تعُرف التوراة الحالية باسم "توراة عِزرا"، وهو العزُير فى القرآن الذى أعاد تدوين التوراة إبان القرن 1 ق.م ،بعد أن اختفت "توراة موسى أو "التوراة الأولى" عقب تدمير أورشليم على يد البابليين سنة 122ق.م ".

-تعجُ التوراة بالإطراء على بني إسرائيل، وتصفهم بأنهم "شعبُ الله المختار"، وأنهم "أبناء الله" و"الأبناء المقدسين"، بينما تلعنُ "الكَنعانيين")وهم أجداد الفلسطينيين(،على سبيل المثال: "فلما استيقظ نو ح ..علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال ملعو ن كنعان عبدُ العبيد يكون لإخوته، وقال مبارك الرب إله سام. وليكن كنعانُ عبداً لهم" )تكوين-1(. ويزعم اليهودُ أن فلسطين )أرض كنعان( هى أرض اليهود وحدهم ،وأنهم سكنوا فيها قبل الفلسطينيين )الكنعانيين(، وهى إدعاءات لاحُجة لها، بل وتكذبها توراة اليهود ذاتها، حيث تقول:" فأخذ أبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل مقتنياتهما...وخرجوا ليذهبوا إلىأرض كنعان. فأتوا إلى أرض كنعان، واجتاز أبرام فى الأرض إلى مكان شكيم وكان الكنعانيون حينئذ فىالأرض" )تكوين–07( .

وحسب هذا المتن، فإن النبى إبراهيم )أبرام( لما دخل أرض كنعان )فلسطين( للمرة الأولى قادمًا من أرضالعراق )موطنه الأول(، وجد الكنعانيين يسكنون أرض فلسطين، وتؤكد التوراة نسبة هذه الأرض لهم ،وتذكرها باسم "أرض كنعان". ويؤمن اليهودُ بأن النبى إبراهيم، هو "جدهم الأول"، وإليه ينتسبون .

وحسب توراتهم، فإن الكنعانيين كانوا يسكنون أرض فلسطين قبل النبى إبراهيم بزمن طويل، وعلى هذا فالوجود الكنعانى فى فلسطين يسبق زمان إبراهيم، وحسب التوراة، فإن كنعان )جد الفلسطينيين( هو كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، أى أنه حفيد النبى نوح. أما النبى إبراهيم، فهو إبراهيم ابن تارح )آزر( بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح. ومن ثم فالنبى إبراهيم هو الحفيد الحادى عشر لـ"نوح"، وهو دلي ل آخر على أقدمية الوجود الفلسطينى من الناحية الزمنية 

-تذكر التوراة متناً آخر  وفيه : أن النبى إبراهيم لما أقام بأرض فلسطين، كان بها مل ك كنعانى صالح يدعى "مَلكي صادق"، تصفه التوراةُ بأنه "ملك شاليم"، وهى أقدم إشارة  إلى مدينة "القدس"

)أورشليم(، وتلك دلالة  على أن القدس )شاليم( مدينة الكنعانيين فى الأصل، وهم من بنوها، تقول التوراة:

"فلما سمع أبرام أن أخاه سبى وجر غلمانه..انقسم عليهم ليلاً هو وعبيده فكسرهم واسترجع )أبرام( كل الأملاك، فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه...وملكى صادق ملك شاليم )القدس( أخرج خبز اً. وكان  كاهناً لله العلى وباركه. وقال مبارك أبرام من الله العلى مالك السموات والأرض" )تكوين– 04(.

-يظن البعض خطأ أن ارتباط العرب بفلسطين بدأ منذ فتحها المسلمون أيام عمر بن الخطاب، لكن الصحيح أن"عروبة فلسطين" ترجع لأيام قدوم الكنعانيين العرب إليها من الجزيرة العربية، ثم دامت العلاقة بمرور الزمن. وتذكر التوراة أن النبى إبراهيم وابن أخيه لوط لما تركا مصر، بعد أن أقاما بها ردحًا من الزمن، ذهبا إلى أرض فلسطين، وكانا فى ثراءٍ عظيم. وتؤكد التوراة أن الكنعانيين كانوا "سكان الأرض" وقتئذ:

"فصعد أبرام من مصر هو وامرأته وكل ما كان له إلى الجنوب. وكان أبرام غن ياً جدًا بالمواشى والفضة والذهب، وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض )أى فلسطين(" ) تكوين–00(. وفى قصة النبى يوسف )وهو حفيد النبى إبراهيم(، تؤكد التوراة أيضا "الوجود الفلسطينى" فى هذه الأرض، بينما كان بنو إسرائيل يقيمون فى مصر: "فصعد يوسفُ يدفن أباه )يعقوب( وصعد معه جميع عبيد فرعون وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر.. فلما رأى أهل البلاد الكنعانيون المناحة قالوا مناحة ثقيلة للمصريين" )تكوين–11(.

ويلاحظ هنا قول التوراة: "فلما رأى أهل البلاد )أى فلسطين( الكنعانيون".

 وقد أقام الكنعانيون مدينة القدس )أورشليم( فى الألف الرابع ق.م وتذكر التوراة أن أحد اليهود قال لآخر:

"تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين )يقصد القدس( هذه ونبيت فيها. فقال له سيده لانميل إلى مدينة غريبة حيث لا أحد من بنى إسرائيل هنا" )القضاة-01(. وهو ما يؤكد أن اليهود كانوا يخشون الإقامة فى القدس وقتئذ، لأنها مدينة اليبوسيين )الكنعانيين(.

وظلت القدس )يبوس( تحت سيطرة الفلسطينيين حتى أيام الملك داود  الذى استولى عليهامن"اليبوسيين". وكانت هذه المرة الأولى التى يسيطر فيها اليهود على القدس تقول التوراة: "وذهبالملك )داود( إلى أورشليم إلى اليبوسيين )الفلسطينيين( سكان الأرض. فكلموا داود قائلين. لاتدخل إلىهنا ما لم تنزع العمُيان..وأخذ داود حصن صهيون

وأقام داود فى الحصن وسماه مدينة داود) صموئيل الثانى-1(.ويحمل هذا المتنُ إشارات هامة، منها وصف التوراة اليبوسيين بأنهم "سكان الأرض "، وهى القدس، لأنهم سكان المدينة الأصليين ،وتلك هى الحقيقة التى تؤكدها توراة اليهود. ثم عُرفت المدينة لمدة طويلة باسم "يبوس"، وذكرتها التوراة بهذه التسمية مرات عديدة. ولم تدم سيطرة اليهود عليها طويلاً، فبعد موت الملك "سليمان بن داود" )101ق.م( انهارت مملكة اليهود فى أرض فلسطين، تؤكد تلك "المتون التوراتية" المهمة الحق العربى في "أرض فلسطين"، وتؤكد عروبة القدس، ورغم محاولات طمس الحقائق، وتزييفها، فإن قوة تلك الأدلة ترجع إلى أنها وردت فى توراة اليهود وليس أي مصدر آخر. 

شهادة جيمس هنرى برستيد

يذهب المؤرخ )جيمس هنري بريستيد ( إلى أن الكنعانيين من القبائل العربية التي استوطنت فلسطين ولذلك سميت فلسطين "أرض كنعان"، وهكذا سمتها التوارة. ويقول كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة، ومنازل متقنة، وحكومة، وصناعة، وتجارة، وعلم، وكتابة، وديانة، اقتبسها الإسرائيليون، وأنشأ الكنعانيون العديد من المدن التي نراها اليوم، فقد ذكر أنهم بنوا )002( أو )001( مدينة، ومنها: أريحا ،وأسدود، وبئر السبع، وبيت لحم، وحلحول، وعكا، والكرمل، والمجدل، وبيت شان، وشكيم، ويبوس.

شهادة المؤرخ هيرودوت

ذكر المؤرخ اليوناني “هيرودوت” )420- 471 ق.م( في تأريخه مدينة “القدس” تحت اسم “كاديتيس”، وأوضح أنها كانت بلدة سورية كبيرة على مقربة من “مجدولوس” أي “تل المتسلم”، دلالة على أنها كانت تعرف بهذا الاسم منذ القدم وإنها مدينة فلسطينية، ذلك أن الجزء الجنوبي من سورية الممتد جنوبا إلى مصر كله كان يعرف باسم فلسطين.

وتحدث هيرودوت عن التقسيمات الإدارية للإمبراطورية الإخمينية الفارسية )إيران( وب ينَّ أن المنطقة الساحلية التي امتدت من سورية حتى مصر شكلت مقاطعة إدارية ضمت كل فينيقيا، وذلك الجزء من سورية الذي يعرف باسم فلسطين وقبرص فى إشارة وتأكيد على أن في المائة الخامسة قبل الميلاد لم تكن مقاطعة اليهود قد ظهرت إلى الوجود بعد، وهو الشيء الذي يؤكده النص التوراتي اليهودي.

رسائل تل العمارنة تثبت عروبة القدس

رسائل تل العمارنة هى الرسائل الواردة إلى البلاط الملكي خلال عصري أمنحتب الثالث ومن بعده الملك إخناتون، وبعض الرسائل موجه إلى الملكة تي )أم الملك إخناتون(، وتعود قصة الكشف عنها إلى عام 0221 ميلادية عن طريق فلاحة مصرية كانت تحفر بالقرب من مسكنها للحصول على التربة السوداء لعمل الطوب الآجر، وبالمصادفة عثرت على رسائل العمارنة المكتوبة باللغة الأكادية )البابلية( بالخط المسماري؛ وبعدها قام العالم الإنجليزي فلندرز بتري في عام 0210 ميلادية بالكشف عن باقي الأرشيف الملكي الذي وصل عدد رسائله إلى 021 رسالة،  وعلى الرغم من كثرة الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت على رسائل تل العمارنة فإنها لا تزال معينا خصبا لمزيد من الدراسات لأحوال الشرق الأدنى القديم خلال عصري أمنحتب الثالث وإخناتون، وفي كل رسالة معلومات فريدة تظهر العلاقات المتشابكة بين ملوك وأمراء الشرق القديم من ملوك بابل وميتاني وأمور وغيرها من ملوك وأمراء )دول المدن( مثلمجدو وعسقلان وجبيل..... وأورشليم.

-ورد في )رسائل تل العمارنة(، : أن )أرض كنعان(، كانت تطلق على السواحل السورية، وورد في هذه الرسائل  أن الوالي المصري في بيت المقدس )عبدي خيبا ( ، بعث عدداً من الرسائل إلى "أخناتون"، يبين فيها الخطر على النفوذ المصري في فلسطين، ومن تلك الرسائل أرقام : )711-728(. وقد ورد في )رقم 728( : طلب معونة من ملك مصر لدفع هجمات العبرانيين عن أورشليم وفي الثانية )رقم 722(، يقول الوالي )عبدي خيبا( : لقد وضع الملك اسمه على أرض أورشليم إلى الآن حتى لا يمكنني ترك أرض أورشليم وفي الرسالة )رقم 721( يقول : إنهم الآن يحاولون الاستيلاء على أورشليم، وإذا كانت هذه الأرض ملكاً للملك، هل تترك أورشليم تسقط. ليت الملك يرسل لنا خمسين رجلاً كحامية ليقوموا بحراسة البلاد. لقد ثارت أرض الملك كلها. 

ومما جاء في تلك الرسائل، قول "عبد خيبا" : إن هذه الأرض، أرض أوروسالم، لم يعطني إياها أبي ولا أمي، ولكن أيدي الملك القوية هي التي ثبتتني في دار آبائي وأجدادي، ولم أكن أميراً، بل جندياً للملك، وراعياً تابعاً، منحت ملكية أرض أوروسالم إلى الملك إلى الابد، ولا يمكن أن يتركها للأعداء.

تقر المعاني الواردة في الرسائل على أن الممالك والمدن الكنعانية التي رصدها التاريخ في ذلك الوقت لا تمت بأي صلة لأي تاريخ يهودي، وأن العابيرو أو العبرانيين هم قبائل رحل سكنت جنوب الهلال الخصيب شمال ما يعرف الآن بالجزيرة العربية .

الباحثون.. بيت المقدس كنعانية عربية يبوسية

يذكر أحد الباحثين الغربييين )فرانكين المستشرق الهولندي( في حديثه عن القدس في العصر البرونزي ،أن لغة اليبوسيين كانت كنعانية، وأن معتقداتهم كانت لها طبيعة معتقدات الكنعانيين ذاتها. ويبين أنه بناء على حل رموز النصوص العديدة التي وجدت في رأس شمرا ،"أوجاريت القديمة"، يستنتج أن "الكلمات

والتعابير العبرية التي كان يشتبه العلماء في أن لها معاني دينية، ظهر أنها متصلة بأفكار العبادة في اللغة الكنعانية"، وأن جميع القوانين، والطقوس والاحتفالات، والأغاني، والأمثال الإسرائيلية، استعيرت من العموريين والكنعانيين الذين كانوا يعيشون في البلاد قبل أن يأتي العبرانيون إليها، لقد كانت اللغة المستخدمة آنذاك لغة سامية عربية ،وتدُعى أحيانا بالكنعانية"  وبقيت بيت المقدس كنعانية عربية يبوسية، ثم تعرضت لغزو العبرانيين، نحو سنة )0111( ق.م، وهذا يبين أن القدس لم تكن يهودية، بل كان اليهود طارئين عليها، و كانوا يشعرون بالغربة فيها، وإزاءها، حيث كانت تسكن أقوام في القدس ،من الأموريين، والعمالقة، والأدوميين، والأنباط، واليبوسيين.

رأى جوستاف لوبون.. فلسطين للفلسطينيين  

يقول المستشرق الفرنسي "جوستاف لوبون: "أن استقرار العبرانيين بفلسطين تم بالتدريج على ما نرى ،فالعبرانيون قضوا زمناً طويلاً ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين لا أن يكونوا سادتها، ويضيف : وفي فلسطين كان يعيش اليبوسيون  وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين  وكان ذلك حتى عهد داود".

ولم يكن للعبرانيين حضارة، فاقتبسوا حضارة اليبوسيين حينما أخذوا يستقرون في القدس، وغادروا الخيام، وسكنوا البيوت، وخلعوا عنهم الجلود، ولبسوا الثياب المنسوجة، كما كان الكنعانيون يفعلون، لقد دخل اليهود فلسطين وهم في حالة البداوة فأخذوا عن الكنعانيين الكثير، ومما أخذوه عنهم لغتهم الكنعانية، وأصبحت اللغة الكنعانية لغة اليهود الرسمية وهكذا، لم تكن لهؤلاء لغة، أو ثقافة، أو حضارة خاصة بهم، وإنما كانوا يقومون على تراث كنعاني بحت كما تؤكد لنا ذلك الأحداث التاريخية، وهكذا بقيت القدس، بل كل فلسطين، كنعانية في ثقافتها، وفي حضارتها ولغتها.

المؤرخون الاسرائيليون.. شاهد من أهلها

خلال تقرير نشرته مجلة جيروزاليم ريبورت الإسرائيلية، اعترف عالم الآثار الإسرائيلي "إسرائيل فلنكشتاين" من جامعة تل أبيب بعدم وجود أية صلة لليهود بالقدس ،وأكد: أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة، كانتصار يوشع بن نون على كنعان.

وشكك فلنكشتاين في قصة داوود الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب المعتقدات اليهودية فهو يقول إنه: لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على اتخاذ اليهود للقدس عاصمةً لهم، وأنه سيأتي من صلبهم من يشرف على ما يسمى بـ )الهيكل الثالث(، وأنه لا وجود لمملكتي يهودا وإسرائيل، وأن الاعتقاد بوجود المملكتين هو وهم وخيال. كما أكد عدم وجود أية شواهد على وجود "إمبراطورية يهودية تمتد من مصر حتى نهر الفرات" وإن كان للممالك اليهودية )كما تقول التوراة( وجود فعلي، فقد كانت مجرد قبائل، وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة. أما فيما يتعلق بهيكل سليمان، فلا يوجد أي شاهد أثري يدلل على أنه كان موجوداً بالفعل، وقال رفائيل جرينبرج وهو عالم آثار يهودي في جامعة تل أبيب:

"إنه كان من المفترض أن تجد “إسرائيل” شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين يقومون بالحفر في القدس لأعوام دون العثور على شيء".

من ناحية أخرى اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار عمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع رأي سابقيْه قائلا ً: لم تعثر "إسرائيل" حتى ولو على لافتة مكتوب عليها – مرحباً بكم في قصر داود- واستطرد قائلا ً: ما تقوم به "إسرائيل" من استخدام لعلم الآثار بشكل مخّل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى يهودية".

كثير من علماء الآثار والتاريخ العالميين وصلوا إلى هذه الحقيقة المؤكدة، التى ذكرها العلماء اليهود الثلاثة، الذين يعيشون في "إسرائيل" كذلك تصب في هذا الاتجاه دراسات المؤرخ بيتر جميس التي نشرها في كتابه "قرون الظلام"، وأيضاً ما كتبه توماس تومسون في كتابه "التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي"، والحقائق التي أكدها المؤرخ أرنولد توينبي، والمؤرخ جوستاف لوبون في كتابه "تاريخ الحضارات الأولى"، والمؤرخ اليهودي آرثر كوستلر، والمؤرخ شلومو ساند… وغيرهم. 

 

البحث عن بقايا هيكل سليمان

عملت في مدينة القدس عدة بعثات أثرية معنية بالحفائر،  للبحث عن بقايا هيكل سليمان، كان أهمها :

حفائر باركلي المبشر الأمريكي عام 0201م، حفائر الضابط الإنجليزي شارلفروارن عام 0282م، حفائر بلبيس فيما بين عامي 0210و0218م، حفائر الضابط إنجليزي الكابتن واركر عام 0100م بناء على طلب وتمويل المليونير اليهودي روتشيلد، حفائر ماكاليستر الإنجليزي 0170- 0178م، حفائر كروفوت عام 0172، حفائر المدرسة الإنجليزية للآثار عام 0180م، حفائر مصلحة الآثار الإسرائيلية عام 0182م تحت إشراف د هنس، والحفائر المشتركة بين الجامعة العبرية وجمعية الكشف الإسرائيلي منذ عام 0182م، ولم تسفر كل هذه الحفائر عن أي شيء سوى تشويه معالم الآثار والحضارة الإسلامية . 

أعلن العالم الأثري الإسرائيلي )زئيف هرتسوغ( في تقريره المثير للجدل )التوراة: لا إثبات على الأرض( "أنه بعد سبعين عاماً من الحفريات المكثفة في فلسطين، توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة: لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق، ولم تحتل فلسطين، ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان، كما يدعمه شهادة الدكتورة )كاتلين كابينوس( مديرة الحفائر في المدرسة البريطانية للآثار بالقدس التي قررت سنة 0182م ضمن فريق من علماء الآثار المسيحيين عدم وجود أي أثر لهيكل سليمان، وشهادة فريق المهندسين العالميين الذين درسوا التربة التي يقوم عليها المسجد الأقصى في وقت لاحق، وتعمقوا فيها ،وخلصوا إلى أنه لا يوجد في ذلك المكان أى دليل أو شبهة لأي أثر من الهيكل الذي تدعي الصهيونية أنه مدفون بجوار حائط البراق الغربي بالمسجد الأقصى

عجزت تقارير وشهادات الاسرائيليين عن إيجاد أي أثر للهيكل وعن إثبات أي دليل تاريخي يؤكد وجوده، فقد عجزت كذلك عن إثبات أى أثر أو دليل يقطع بأن حائط البراق الذي يسمونه بـ )حائط المبكى(، جزء من سور كان حول هيكل سليمان، بل إن اللجنة الدولية المتفرعة عن عصبة الأمم التي تكونت عام 0171برئاسة )وولترشو( للنظر في الخلاف حول ملكية المبكى ومكثت شهراً كاملاً في فلسطين من 01/8 إلى 01/2/0101 واستمعت لأحد عشر محامياً من مسلمين ومسيحيين من مختلف دول العالم كما استمعت لأقوال 77 شاهداً قدمهم الجانب اليهودي، أثبتت من خلال وثيقة فندت فيها إيماءات الإسرائيليين بحقهم التاريخي في القدس، بأن الحائط وقف للمسلمين العرب ولا يجوز لأحد أن ينازعهم فيه، ومن ثم لم تقر هذه اللجنة وجهة النظر الصهيونية وما تخطط له من إخراج 01 آلاف مسلم من القدس القديمة بأي شكل وبمختلف الأساليب وإحلال 1111 يهودي مكانهم، ومن إزالة الأبنية التاريخية والآثار الإسلامية الملاصقة لسور المسجد الأقصى من الجهة الغربية وتوسيع حائط المبكى ،ومن فتح أنفاق تحت المسجد، وحكمت لجنة )وولترشو( الدولية بعد دراسة وافية لكافة الوثائق، بإبقاء الحال على ما هو عليه ومنع اليهود من إدخال أي تغيير فيه .. كذلك فعلت منظمة اليونسكو التي أدانت بقراريها 27، 20 في 0121 إسرائيل على إحراق المسجد الأقصى وعلى استمرارها في الحفريات كما دعتها للالتزام فوراً بالقرار 02م/0477الصادر في نوفمبر 0127 القاضي بالكف عن تغيير معالم القدس، الأمر الذي يؤكد من جديد عدم وجود أية أدلة مادية تشير من قريب أو من بعيد إلى الهيكل المزعوم وبالتالي كذب الادعاء اليهودي بالحق التاريخي لهم في أرض فلسطين .

 

المصادر التراثية والشعراء

نال بيت المقدس والمسجد الأقصى اهتمام المؤرخين منذ فجر التاريخ الإسلامي حيث بدأ عصر التدوين في أوائل القرن الثالث، فكان الكتاب الأول فتوح بيت المقدس لأبي حذيفة البخاري المتوفى في بداية القرن الثالث الهجري سنة 905 ه وهذا أفضل رد على المزاعم التي رددها المستشرقون؛ والتي قالت بأن كتب فضائل بيت المقدس جاءت نتيجة لسياسات انتهجها المسلمون لاسترداد القدس من يد الفرنجة لما تغلبوا عليها.

وهذا ليس بصحيح، لأن كتب فضائل بيت المقدس وأخبارها ألفت في القرن الثالث والرابع والخامس قبل تغلب الفرنجة على القدس، وهذا دأب المسلمين في تدوين تاريخ بلدانهم وما ورد في فضائل الأماكن المقدسة، لذا لا يخلو كتاب من كتب الإسلام من التفسير والحديث والفقه من ذكر القدس والمسجد الأقصى المبارك، وما يتعلق بهما من فضائل وأحكام. ومن أهم الدراسات فى هذا الموضوع "معجم ما ألف في فضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس وفلسطين... لشهاب الدين بهادر سنة 125 ه-

7291 م،" عن مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي.

ففي القرن الثالث :أحصى المؤلف ستة كتب: ومن أوائل تلك الكتب التي ألفت في بيت المقدس كتاب بعنوان )فتوح بيت المقدس( ، ومؤلفه إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم، أبو حذيفة البخاري المتوفي902 ه. وتلاه كتاب بعنوان )من نزل فلسطين من الصحابة(؛ ومؤلفه موسى بن سهل بن قاوم الرملي )توفى بالرملة سنة 927 ه(، وكتاب بعنوان )قضاة فلسطين( لأبي زرعة الدمشقي توفي 917 ه( ، و)فضائل بيت المقدس(، ومؤلفه الوليد بن حماد بن جابر أبو العباس الرملي )توفي نهاية القرن الثالث الهجري(، وهذا المؤلف أقدم تصنيف بعنوان )فضائل بيت المقدس( ومؤلفه من الرملة بفلسطين. 

وفي القرن الرابع الهجري أحصى المؤلف ستة كتب: حيث جمع أبو محمد الربعي192 ه( كتاباً أسماه: - البغدادي ) 977 شروط عمر بن الخطاب على النصارى( أو )الشروط العمرية(، وكذلك كتاب )صفة بيت المقدس( لحسين بن أحمد المهلبي )توفي نحو سنة 110 ه(، و)فضل عسقلان( لأبي محمد بن أحمد العسقلاني في )القرن الرابع الهجري(، و)أخبار بيت المقدس( ومؤلفه أحمد بن خلف بن محمد السبحي أبو العباس )من نهاية القرن الرابع الهجري(. 

وفي القرن الخامس أحصى المؤلف ستة كتب: حيث ألف محمد بن أحمد الواسطي، أبو بكر الخطيب المقدسي )توفي في القرن الخامس الهجري( كتاباً بعنوان: )فضائل بيت المقدس(، وكان الواسطي خطيباً في المسجد الأقصى. ومن مؤلفات القرن السادس الهجري أحصى المؤلف )تسعة كتب(: وكانت بعناوين مختلفة منها: )فضائل عسقلان(، و)فضائل القدس(، و)الفتح القدسي في الفتح المقدسي( أو )سيرة السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب(، و)الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى(.

 وفي القرن السابع أحصى المؤلف )اثنين وعشرين كتاباً(: منها ما ألفه أبو الفضل الجياني الأندلسي)717 - 209 ه( )ديوان المبشرات والقدسيات(، و)الأنس في فضائل القدس( لأبي

الفضل تاج الأمناء ابن العساكر )270 ه( و)المقصد الأقصى في قصد المسجد الأقصى( - لأبي القاسم جمال الدين)297 ه(،  ووصل عدد ما وثق وتم حصره من مؤلفات تخص القدس والمسجد الأقصى في القرن السابع 97 القدس والمسجد الأقصى في القرن السابع 97 مصنفاً ومؤلفاً.  

وفي القرن الثامن الهجري بلغ عدد المؤلفات ما يقارب كذلك ٩٧ كتاباً ، ومن أشهرها باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس) 593 ه(، وهو - لابن الفركاح الفزاري 271 ه وهو من كبار الشافعية. و)تحصيل الأنس لزائر القدس 527 ه( لابن هشام الأنصاري  و)كتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام(، 527 ه(. - لابن هلال المقدسي ) 579 ه(

وأما مؤلفات القرن التاسع الهجري فما تيسر حصره بلغ 90 مؤلفاً وعناوينها تدل على الاهتمام بذكر أخبار وفضائل ومكانة تلك البقعة المباركة في نفوس المسلمين، فقد ألف الخوارزمي المتوفي ) 195 ه( كتاباً وعنوانه إشارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة وإلى البيت العتيق ، و)الروض المغرس في فضائل البيت المقدس(، و)إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى(. وما وصل إثباته أن في القرن العاشر الهجري ألف 71 كتاباً تدور في ذكر أوقاف القدس وفضائلها، ومن أشهرها كتاب )الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل( وهو كتاب- مطبوع ومؤلفه مجير الدين العليمي ) 120،291 ه(. وفي القرن الحادي عشر الهجري والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بلغ عدد ما ألف ما يقارب المائة مؤلف، فيها تراجم لأفاضل القدس، ووثائق أوقاف القدس، وحدود الأرض المقدسة، وعمارة المسجد الأقصى وأشعار وقصائد في مدح القدس ومسجدها الأقصى، والرحلات إلى بيت المقدس، بينما المؤلفات التي لم يعرف تاريخها قد بلغت ستة وثلاثين كتاباً.

فلا يخلو قرن من القرون على مر العهود الإسلامية من مؤلف ومصنف في ذكر فضائل ومكانة وتاريخ القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفي ذلك دلالة على مكانته في الشرع الإسلامي وعلى حب المسلمين وتناقلهم فضائل المسجد الأقصى وتاريخ بيت المقدس ومدن فلسطين، بل وكثرة نسخ ونسُاخ تلك المخطوطات المنتشرة في أنحاء الأرض دلالة أخرى على حب المسجد الأقصى والاطلاع على فضائله ومكانته والتي اشتهرت في العالم شرقاً وغرباً.

الى جانب الحديث عن بيت المقدس، والقدس، في القرآن والحديث، واللغة، ذكرها الشعراء في أشعارهم، منذ العصر الجاهلي وحتى الآن فالشعر ديوان العرب، و سجل مفاخرها، ولسان مآثرها  ،وقضية القدس من القضايا المهمة التي شغلت الشعراء منذ أن احتلت، وقد تنوعت أساليب الشعراء، في التعبير عن القدس.