هبّة النفق

 

انتفاضة النفق والتي اعتاد كثير من الأقلام تسميتها "هبة النفق أو هبة القدس"؛ لأن الشعب الفلسطيني قد هَبَّ بكل فئاته في مواجهة الصهاينة المحتلين، فقد انصهر الشعب الفلسطيني في كيان واحد للتصدي لطغيان الصهاينة وممارساتهم الوحشية ضد المواطنين العُزَّل من شيوخ وأطفال ونساء وبدون تفرقة بين كبير وصغير، واستمرارهم في سياسة التجويع والحصار الاقتصادي، واستمرار حبس الأسرى الفلسطينيين، وإصرارهم على عدم الانسحاب من "الخليل" بالإضافة إلى حالة اليأس التي غمرت الشعب الفلسطيني؛ نظرًا للدور العربي الضعيف تجاه القضية الفلسطينية، والتنصل الصهيوني من الاتفاقيات الدولية مثل "أوسلو" برغم إجحافها للجانب الفلسطيني.

هبّة شعبية فلسطينية أطلق عليها "هبّة النفق" اندلعت في 25 سبتمبر/أيلول 1996 احتجاجا على حفر وافتتاح سلطات الاحتلال الإسرائيلية للنفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك. وتوحدت جميع فئات الشعب الفلسطيني للتصدي لقوات الاحتلال في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولكن الاحتلال الصهيوني تمادى في غروره واستهانت بكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية، بل وصلوا إلى حدِّ الاعتداء على المقدسات الدينية ومحاولة العبث بها.

فبعد احتلاله ما تبقى من القدس عام 1967، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بهدم حارة المغاربة الواقعة جنوب غرب المسجد الأقصى، ثم أخذ بالحفر أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى حتى أحدث نفقا كبيرا يبلغ طوله ما يقارب 330 مترا.

في صباح يوم (12 من جمادى الأولى 1417هـ = 25 من سبتمبر 1996م) أقدم الاحتلال الصهيوني على فتح نفق أسفل "المسجد الأقصى"، والذي شقه الصهاينة طوال السنوات الماضية بعد محاولتين فاشلتين قام الاحتلال الصهيوني لفتحه وكانت المرة الأولى عام 1986 والثانية عام 1994م؛ نظرًا لتدخل الأوقاف الإسلامية والحيلولة دون عمليات الحفر، فقد اعتبرت تلك العمليات خطوة تجاه هدم "المسجد الأقصى" ضمن المخطط الصهيوني الرامي إلى تكملة بناء ما يُسمى بحائط المبكى على حساب "المسجد الأقصى" في إطار الأهداف الصهيونية التي لا يتورع الاحتلال الصهيوني عن إعلانها، والتي لا يفتأ زعماء الصهاينة والمتطرفين يرددونها بمناسبة وبغير مناسبة حتى تستقر في وعي ووجدان اليهود وتصبح جزءًا من موروثهم العقدي والسياسي. وهذا النفق يمتد بطول 450 متراً أسفل المسجد الأقصى والعقارات الإسلامية المحيطة به.

وحينما اعترض الفلسطينيون الذين استشعروا خطورة فتح هذا النفق على المباني الأثرية في المنطقة المحيطة بالمسجد، واجههم الاحتلال الصهيوني في اليوم التالي بحشد أكثر من (5000) جندي في تحرش ظاهر لمواجهة اعتراض الفلسطينيين، وإزاء هذا التحرش السافر فقد هبَّ أبناء "فلسطين" للدفاع عن "المسجد الأقصى" فواجههم الصهاينة بالرصاص، وحدثت مجزرة ضخمة استشهد فيها (10) فلسطينيين وأُصيب نحو (150) آخرون من جرَّاء العنف الصهيوني.

افتتاح ذلك النفق بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثار غضب الفلسطينيين الذين توحدوا جميعهم لمواجهة المحتل، حيث انطلقت مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال وامتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها.

كما انطلقت مآذن مدينة القدس فور افتتاح باب النفق بالدعوة لمواجهة هذا الاعتداء، وانتشر أهالي المدينة في الشوارع وتعالت صيحات الاستنكار من حناجرهم، وحالت قوات الاحتلال دون وصولهم لموقع النفق، حيث كانت تُوضع اللمسات الأخيرة لتثبيت الباب الحديدي الذي يؤدي إلى مدخل يصل حائط البراق بباب الغوانمة أحد أبواب المسجد الأقصى.

خطورة فتح النفق

هذه العملية جريمة ضد مقدساتنا الإسلامية وفي الحقيقة لم تكن عملية فتح النفق سوى القشة التي قصمت ظهر البعير لذلك كانت هبة النفق نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين الصهيوني المتطرف وذلك برفضها تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الاحتلال الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقيامها بفرض وقائع جديدة على الأرض في مخالفات وخرق فاضح لهذه الاتفاقات مثل مصادرة الأراضي ومواصلة الاستيطان وتوسيعه بالإضافة إجراءات تهويد المدينة المقدسة، وكذلك عدم الانسحاب من الخليل.

باشرت قوات الاحتلال الحفريات في النفق الغربي عام 1970 وتوقفت عام 1974 ثم استؤنفت عام 1975. وبدأ حفر النفق بأمر من مؤسسة دينية تابعة لوزارة الأديان الإسرائيلية، ومن ثم تسلم الحفر مجموعة من علماء الآثار بسبب الاعتراض الدولي على أن يكون الحفر بغرض ديني.

وفي عام 1987 أعلن الاحتلال عن اكتشاف قناة مياه سبق أن اكتشفها الجنرال الألماني كونراد تشيك بطول ثمانين مترا، كما حاول الاحتلال استكمال الحفريات إلى ملتقى باب الغوانمة وتوصيل النفق بقناة المياه، وذلك عام 1988، فتصدى المقدسيون له.

يمر النفق الغربي أسفل عدد من المدارس الإسلامية الأثرية الواقعة في الرواق الغربي للمسجد الأقصى، كالمدرسة التنكزية والمدرسة الأشرفية والمدرسة البلدية والمدرسة الجوهرية والمدرسة المنجكية، كما يمر أسفل باب السلسلة وباب السكينة، وأسفل باب المطهرة ورباط الكرد، وأسفل سبيل قايتباي الذي يقع إلى الشرق من الرواق الغربي.

وهذا النفق عبارة عن مجموعة من المباني القديمة التي يرجع بناؤها إلى عصور سالفة مختلفة، لكنها رُدِمَت تحت الأرض بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، فتتم عملية وصل لتلك المباني من خلال عمل حفر أسفل أساسات المباني القائمة بعرض متر وارتفاع مترين، إلى جانب وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بطول (60 ) مترًا وعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار، والجزء الأكبر من النفق يقع ضمن مبان قديمة قائمة تم تنظيفها وإزالة التراب منها، وترجع إلى العصرين الأموي والأيوبي، وهذه الأجزاء تقع أسفل كل من "المدرسة التنكزية" التي بنيت عام (729هـ = 1329م) وحوش "محمد الخليلي" و"المدرسة الأشرفية" التي بُنيت عام (887هـ = 1422م) وهي مكتبة "المسجد الأقصى" حاليًّا، وتقع كذلك أسفل "سوق القطانين" و"المدرسة المنجكية" والتي شيدت أيضًا في العهود الإسلامية، وبقية أجزاء النفق عبارة عن حفريات أسفل عقارات مملوكة قائمة في مستوى الأساسات وعلى ارتفاعات مختلفة من سطح الأرض.

وحسب ما كشف مدير السياحة والآثار في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس يوسف النتشة للجزيرة نت، فإن ارتفاعات النفق تختلف من منطقة إلى أخرى، حسب طبوغرافية الأرض التي يمر فيها، حيث يرتفع في بعض المناطق مترين فقط، بينما يصل في مناطق أخرى إلى 25 مترا.

وأدى حفر النفق إلى ثقب عدد من آبار المياه أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى، كبئر المدرسة التنكزية الذي ثقب بالكامل وأفرغ من مياهه، وكذلك بئر المدرسة العثمانية الذي صب بالخرسانة، إضافة إلى بئر سبيل قايتباي، وبئر رباط الكرد والمدرسة المنجكية، حسب ما كشف مدير مركز المخطوطات رضوان عمرو للجزيرة نت.

كما أحدث بناء النفق تصدعات كبيرة في أبنية الرواق الغربي، حيث تفسخت جدران المدارس بعضها عن بعض، كما انهار درج دائرة الأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى انهيار في منطقة سبيل قايتباي، كما تخلخلت أساسات 16 معلما إسلاميا.

أما المباني الأثرية التي تعلو النفق فتشمل كلاً من: "المدرسة الجوهرية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة (844هـ = 1440م)، و"المدرسة العثمانية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة (840هـ = 1437م)، و"رباط الكرد" الذي يرجع إنشاؤه إلى سنة (693هـ = 1294م)، و"المدرسة المنجكية" ويرجع إنشاؤها إلى سنة (762 هـ = 1361 م)، ويصل طول النفق إلى نحو (450) مترًا أسفل "المسجد الأقصى" والعقارات المحيطة به.

أحداث هبة القدس

كانت كل الظروف مهيأة لقيام "هبة النفق" خاصةً في ظل حكومة اليمين المتطرف الصهيونية المنتخبة برياسة "بنيامين نيتانياهو"، الذي مارس منذ توليه سلطة رئاسة الوزراء أبشع الوسائل القمعية والردعية ضد الشعب الفلسطيني، وساعد أيضًا على قيام الهبة شعور الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية بعدم جدوى المفاوضات السلمية مع الجانب الصهيوني لاستعادة "فلسطين". 

دارت مواجهات عنيفة ظهر الأربعاء 25/9/1996م بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصهيوني رشق فيها الشبان قوات الاحتلال بالحجارة وعلى أثرها قامت قوات الاحتلال بإخلاء ساحات الأقصى وإغلاق جميع أبوابه، ومنع الشبان الذين تقل أعمارهم عن (35 ) عامًا من الصلاة داخل "المسجد الأقصى"، ولاحقت قوات الاحتلال الصهيوني الشبان الفلسطينيين واعتقلت منهم 11 شاباً، ثم اعتقل بعد ذلك نحو (30) فلسطينيًّا.

وتواصلت المواجهات في اليوم الثاني من أيام الانتفاضة في مختلف المدن الفلسطينية، ففي القدس حشد الاحتلال الصهيوني أكثر من 5000 جندي صهيوني، مما أدَّى لحدوث مجزرة سقط فيها (10) شهداء كان من بينهم "فيصل الحسيني".

 وفي نابلس استسلم الجنود الصهاينة المتواجدين في موقع قبر النبي يوسف وكان عددهم 41 جندياً لقوات الأمن الوطني الفلسطيني، وتحولت كل من رام الله والخليل وبيت لحم إلى ساحات حرب، كما شهدت جنين العديد من المسيرات والاشتباكات مع جنود الاحتلال.

وفي يوم الجمعة27/9/1996م كانت هناك مجزرة أخرى حيث سقط 3 شهداء وأصيب 150 شاباً فلسطينياً .

أما في قطاع غزة حيث بدأت الأحداث في صباح يوم الخميس الموافق 26/9/1996م فانطلقت المسيرات التي نظمها طلبة المدارس عشية عملية فتح النفق واستشهاد خمسة فلسطينيين في رام الله يوم 25/9/1996م.

ولم تبخل أي من المدن الفلسطينية على "فلسطين" بأرواح أبنائها ففي "دير البلح" بالقرب من مستوطنة" كفار داروم "سقط (7) شهداء، وأُصيب (60 ) جريحًا.

وفي جنوب "غزة" بالقرب من مستوطنة "نتساريم" سقط (8) فلسطينيًّا، وأُصيب (75) آخرون. وانطلقت المسيرات الطلابية في مخيم "جباليا" إلى حاجز "بيت حانون" مما أدَّى إلى استشهاد (7) فلسطينيين وإصابة (104) آخرين.

وفي "خان يونس" قامت المسيرات الطلابية بالتجمع في "حي الأمل" وتوجهوا بالقرب من مستوطنة "جاني طال"، وتدخل أفراد الشرطة الفلسطينية لحماية الفلسطينيين، لكن مع تصاعد المواجهات واستخدام "إسرائيل" قنابل الغاز والأعيرة المطاطية والرصاص الحي ومطاردة القوات الصهيونية جموع المتظاهرين بمروحيات الكوبرا الحربية سقط (5) شهداء و(115) جريحًا.

وتصاعدت المواجهات في"رفح" عند الحدود المصرية، وكان للطلبة دور كبير في الانتفاضة فأُصيب طالبان وطالبتان، كما أُصيب شرطي فلسطيني، وشهد يوم الجمعة يوم الموافق (14 من جمادى الأولى 1417 هـ = 27 من سبتمبر 1996 م) مواجهات دامية أسفرت عن إصابة 48 شخصًا.

ومرت أيام الانتفاضة الثلاثة، ولكنها تركت رسالة واضحة لقادة الاحتلال الصهيوني وشعبها أن الشعب الفلسطيني لن يفرط في حقه أبدًا، ولن يترك وطنه لهم، وأنه من السهل على أي فلسطيني أن يبذل حياته فداءً لأرضه ووطنه ومقدساته

وتخلّلت المواجهات اشتباكات مسلحة بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال في بعض المناطق الفلسطينية، كان أعنفها حصار أكثر من 40 جنديا إسرائيليا داخل مقام يوسف شرقي مدينة نابلس، وتحرير المقام من سيطرة الاحتلال ورفع الأذان مجددا داخله بعد عشرات السنين من سيطرة الاحتلال عليه.

إن عملية فتح النفق سوف يترتب عليها العديد من الأخطار والمضار ومن أهمها:

1- تعد هذه العملية تحد للشرعية الدولية، لأنها تصرف من طرف واحد في ارض محتلة.

2- تصدع المباني التي تعلو النفق مثل: المدرسة العثمانية 840هـ/1437م، ورباط الكرد 693هـ 1293-1294، والمدرسة الجوهرية 844هـ/1440م، والمدرسة المنجكية 762 هـ/1361م.

3- إعادة تأكيد السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس وأن ما أجرته إسرائيل أو الإيحاء بما أجرته هو شأن داخلي.

4- تخريب العملية السلمية والتنصل من تبعات اتفاقية أوسلو على الرغم من أن هذه الاتفاقية لا تمنح الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

5-توسيع دائرة حائط المبكى الذي يمثله أصلا حائط البراق وله صفة دينية وإسلامية ومملوك كوقف إسلامي إلى الأوقاف العامة، وقد يجر توسيع دائرة حائط المبكى إلى الإدعاء بأنه امتداده شمالاً هو جزء من بقايا الهيكل الأول، وقد يجرهم إلى تهديد الأحياء المجاورة له أسوة بما حصل لحي المغاربة.

6-خلق بؤرة من التوتر وسط الأجواء الإسلامية من خلال حقائق ووقائع جديدة لحركة المتطرفين اليهود تحدياً للمشاعر والحقوق.

 

واستمرت الهبة الفلسطينية ستة أشهر وارتقى فيها مئة شهيد فلسطيني وأصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.

 

ورغم الطابع السلمي الذي خيم على المظاهرات الفلسطينية واجهت قوات الاحتلال المحتجين على افتتاح النفق والمظاهرات بإطلاق الرصاص المطاطي والحي بكثافة، كما استُخدمت المروحيات والدبابات بالإضافة لاشتراك المستوطنين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين.

إلا أن قوات الاحتلال الصهيوني واجهت هذه التظاهرات بإطلاق الرصاص المطاطي والرصاص الحي بكثافة وخاصة من العيارات المختلفة مثل رصاص عيار 500 ملم و800 ملم كما استخدمت الطائرات المروحية والدبابات بالإضافة إلى اشتراك المستوطنين الإسرائيليين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين والنتيجة سقوط عدداً من الشهداء والجرحى.

كما أخلت قوات الاحتلال ساحات الأقصى وأغلقت جميع أبوابه فور انتفاض الفلسطينيين نصرة لمقدساتهم.

القيادة الفلسطينية من جهتها تحركت على مختلف الأصعدة، بدعوة من الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي بعث برسائل إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية في حينه بيل كلينتون، وملك الأردن الراحل الملك حسين، والرئيس التركي السابق سليمان ديميريل، ووضعهم في صورة العدوان الجديد.

كما عقدت الهيئة الإسلامية العليا ونواب القدس وممثلو القوى الوطنية في المدينة اجتماعا طارئا في المسجد الأقصى، أدان المؤامرة ودعا إلى إضراب تجاري وإلى التجمع في باب العامود، وذلك بعد افتتاح النفق بساعات.

وعلى الصعيد الدولي، أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) في حينه حفر النفق، كون إسرائيل كيانا محتلا لا يمكنه القيام بحفريات أثرية في المدينة، حسب القانون الدولي.

نتائجها

على الرغم من أن عملية فتح النفق قد سبقتها محاولتين الأولى عام 1986 عند باب الغوانمة والثانية عام 1994 عند المدرسة العمرية وهو نفس المدخل الحالي، إلا ان هذه المرة تكتسب أهمية كبيرة إذ جاءت ضمن مخططات حكومة الليكود في برنامجها الانتخابي عام 1996، كما أنها جاءت عشية الاحتفال بعيد (الغفران) وكأن هذه العملية جاءت كهدية للشعب اليهودي. إلا ان نتائجها لم تكن في حسبان الحكومة حيث أفشلت الهبة الجماهيرية الفلسطينية الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على سياسة الصفقات حيث لا يتم إغلاق النفق إلا بشروط محدودة. وقد أثبتت الهبة بأن لدى الشعب الفلسطيني خيارات أخرى غير خيار التفاوض مع عدم الحرص على التراجع عن عملية السلام. وأكدت على سقوط الرهان الإسرائيلي بأن هناك فجوة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني، فيما أفرزت الهبة توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في منطقة الخليل بتاريخ 17/يناير/1997، والذي كسر موقف نتنياهو وحكومته المتعنت والرافض لإعادة أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكد على مبدأ الأرض مقابل السلام.

 على الرغم من الطابع السلمي الذي خيم على التظاهرات الفلسطينية احتجاجاً على فتح النفق، إلا أن القوات الإسرائيلية واجهت هذه التظاهرات بإطلاق الرصاص المطاطي والرصاص الحي بكثافة وخاصة من العيارات المختلفة مثل رصاص عيار 500 ملم و 800 ملم كما استخدمت الطائرات المروحية والدبابات بالإضافة إلى اشتراك المستوطنين الإسرائيليين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين. وبلغ عدد الشهداء في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة إلى 63 شهيداً، و 1600 جريحاً منهم 458 جريحاً في قطاع غزة. واحتلت محافظات غزة المرتبة الأولي من عدد الشهداء الذين سقطوا في انتفاضة النفق حيث بلغ عدد الشهداء إلي 31، وتلاها محافظات الضفة الغربية الذي وصل عدد الشهداء إلي 28 شهيداً، فيما سقط على ساحة المسجد الأقصى أربعة شهداء.

إن هبة النفق بما حصل من مواجهات قوية واشتراك كل الطيف الفلسطيني فيها شكلا حلقة جديدة في سلسلة النضال الفلسطيني الذي أثبت فيها الشعب الفلسطيني تمسكه بأرضه ومقدساته، وعلى رأسها المسجد الأقصى وأنه خط أحمر تهون لأجله التضحيات، وأثبتت هبة النفق أن لدى الشعب الفلسطيني خيارات أخرى غير خيار التفاوض ومسار التسوية، وعاد المسجد الأقصى في هذه الهبة للواجهة مرة أخرى، وانحاز الفلسطينيون إلى القبلة الأولى ليذكروا الاحتلال أنه خط أحمر، هكذا كان وهكذا سيظل.

 كما كان للهبة نتائج سياسية لعل أبرزها هو:

1-   توقيع برتوكول إعادة الانتشار في منطقة الخليل بتاريخ 17/يناير/1997م.

2-   أثبتت أن هناك خيارات أخرى للشعب الفلسطيني غير طريق التفاوض.

 

المصادر: 

- جريدة القدس: يوم الأربعاء 25/09/1996، الموافق 12 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9728. صفحة رقم 1. يوم الخميس 26/09/1996، الموافق 13 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9729. الصفحات: 1، 2، 3، 7، 11، 12، 16. يوم الجمعة 27/09/1996، الموافق 14 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9730. الصفحات: 1، 2، 3، 4، 6. يوم السبت 28/09/1996، الموافق 15 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9731. الصفحات: 1، 2، 7. يوم الأحد 29/09/1996، الموافق 16 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9732. الصفحات: 1، 4، 5، 19. يوم الثلاثاء 30/09/1996، الموافق 17 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9733. الصفحات: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8.

- https://www.aljazeera.net/encyclopedia
- https://islamstory.com/ar

رزق صفوري، "أهي حجارة الهيكل الثاني، أم بقايا سور (هيرودوس)؟!". الحلقة الأولى. جريدة القدس، يوم الخميس 26/09/1996، الموافق 13 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9729. صفحة 15.

- رزق صفوري، "أهي حجارة الهيكل الثاني، أم بقايا سور (هيرودوس)؟!". الحلقة الثانية. جريدة القدس، يوم الجمعة 27/09/1996، الموافق 14 جمادى الأولى عام 1417 ﻫ، العدد 9730. صفحة: 11.

- طارق محمد السويدان، فلسطين التاريخ المصور. ط5. (مكتبة دار الإعلام: نابلس، 2005).

- كمال إبراهيم علاونة، فلسطين العربية المسلمة. ط2. (مؤسسة الإسراء العربي: نابلس، 2007).

- موسوعة ويكيبيديا: http://ar.wikipedia.org

- نافذ أبو حسنة، انتفاضة النفق 1996. الحلقة 145. الموقع الإلكتروني:

 http://www.palestine-info.com