الجالية المغربية
كانت فلسطين، ومدينة القدس على وجه الخصوص، مقصدًا للمغاربة عبر التاريخ؛ فالحجاج المغاربة الذين كانوا يزورون مكة المكرمة والمدينة المنورة، سرعان ما يعرجون على المدينة المقدسة فتستهويهم الإقامة فيها؛ ومن جهة أخرى اجتذبت مدينة القدس أهل العلم المغاربة (محدثون، علماء، رحالة ...)؛ فضلًا عن اختيار المجاهدين المغاربة، الذين شاركوا في صد الحروب الصليبية، الإقامة بالمدينة وباقي المناطق الفلسطينية.
وقد دأب المغاربة على زيارة بيت المقدس منذ ما قبل الاحتلال الفرنجي لمدينة القدس سنة 493هـ/1099م، وتزايدت أعداد المغاربة بعد استرجاع القدس من الفرنجة سنة 583هـ/1187م. وقد ساهم المغاربة في الجهاد الإسلامي ضد الفرنجة؛ وكان لهم دورٌ بارزٌ في فتح بيت المقدس وكسر شوكة الفرنجة في فلسطين؛ ولذلك طلب الناصر صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب (يعقوب المنصور) مد يد العون وتزويده بأساطيل بحرية تُنازل أساطيل الفرنجة؛ فجهّز سلطان المغرب أسطولًا كبيراً لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي.
وقد أسكن الناصر صلاح الدين الأيوبي أعداداً من المغاربة في بيت المقدس بعد انتصار المسلمين في معركتي "حطين"، و"فتح بيت المقدس"، على الفرنجة. وقال الناصر صلاح الدين: " أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة"؛ ثم أوقف الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي (النجل الأكبر للناصر صلاح الدين الأيوبي) حارة المغاربة على مصالح طائفة المغاربة المقيمين في القدس إباّن سلطنته على دمشق (589هـ/1193م – 592هـ/1195م) حين كانت القدس تابعةً له؛ بُغيةَ تشجيع أهل المغرب العربي على القدوم إلى القدس والإقامة فيها، ومساعدة سكاّنها المغاربة الذين فضّلوا الاستقرار ومجاورة المسجد الأقصى المبارك. ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا المكان من مدينة القدس يُعرف باسم "حارة المغاربة".شغلت حارة المغاربة مساحة تقدر بخمس وأربعين ألف متر مربع؛ وهي بذلك تشكل ما نسبته 5% من مساحة القدس القديمة. وقد تباينت مساحة الحارة تبعاً لاختلاف حدودها بين الحين والآخر؛ فقد امتدت مساحات من حارة المغاربة قبل العهد العثماني إلى خارج السور؛ فعرفت بـ"حارة المغاربة البرانية".
وفي السنوات العشر الأولى للانتداب البريطاني، قامت الصهيونية بمحاولات عدة للاستيلاء على الحائط وعلى منطقة حارة المغاربة. وبعد نكبة عام 1948م، اضطرت غالبية مغاربة فلسطين للجوء إلى سوريا ولبنان، وبقي منهم عدد قليل باتوا، ككل أبناء شعبهم، لاجئين في ديار المعمورة. حيث أقاموا في مخيمات لبنان: في تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وبرج البراجنة؛ بينما أقامت غالبية من لجأ منهم إلى سوريا في مخيم اليرموك.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعيد احتلال القدس عام 1967م، دمرت حارة المغاربة في مدينة القدس بكاملها، وسَوَّتها بالأرض، وحولتها إلى ساحة أسمتها "ساحة المبكى" لخدمة الحجاج والمصلين اليهود عند حائط البراق؛ وذلك على حساب الحق التاريخي الفلسطيني الثابت في هذه المنطقة؛ لتشرد سكانها الفلسطينيين من أصول مغربية؛ حيث توجهت الجرافات اليهودية إلى الحي المغربي داخل أسوار مدينة القدس، وهدمته بكامله، وشردت 135 عائلة مسلمة عدد أفرادها 650؛ كما نسفت 34 داراً أخرى مجاورة، ومصنعاً للبلاستيك، وشردت نحو 300 آخرين من سكانها وعمالها. وكان في حارة المغاربة، قبل أن تهدم، أربعة جوامع، والمدرسة الأفضلية، وأوقاف أخرى.
ما زال عدد كبير من أحفاد الفلسطينيين المغاربة يقيمون في القدس الشرقية ومناطق فلسطينية أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ومنهم عائلات: "العلمي"? و"المصلوحي"? و"الريفي"، و"حبوش"... ألخ. ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة لعددهم في فلسطين؛ إلا أنهم لا يقلون، بحسب شهادات متطابقة لعدد منهم يقيمون في قطاع غزة والقدس، عن 20 ألف شخص.
وقد لعب الفلسطينيون من أصول مغربية، دوراً متصاعداً في مسار العمل الوطني الفلسطيني قبل النكبة، وبعدها؛ وتميزوا بعنادهم الوطني والكفاحي، وإخلاصهم المنقطع النظير لقضية شعبهم الفلسطيني؛ فارتقى منهم الشهداء؛ وسقط منهم الجرحى؛ وتعرض العديد منهم للأسر خلال مشاركتهم في مختلف الثورات والانتفاضات الفلسطينية. وقد كان المغاربة، على الدوام، موضع احترام أهل القدس وتقديرهم؛ لما عرفوا به من استقامة وشهامة وحسن جوار.