كنيسة القيامة

وهي من المعالم الدينية المسيحية في العالم، حيث يزعمون أن السيد المسيح عيسى عليه السلام صُلِبَ ودُفِنَ فيه، وكان ذلك يوم الجمعة ، ثم قام من قبره يوم الأحد ولذا سميت كنيسة القيامة.

وأول من شيَّد هذه الكنيسة الملكة هيلانه أم الملك قسطنطين، ويدعونها بالقديسة لأنها ذهبت إلى القدس، وكانت تتخيل مواضع صلب المسيح وقيامته والتقائه بالحواريين إلى غير ذلك، ومن المعلوم أن قسطنطين هو أول من دخل في الديانة المسيحية من الأباطرة البيزنطيين ، وهو الذي بنى مدينة القسطنطينية على اسمه، والتي جعلها عاصمة ملكه ، ثم بعد ذلك تحولت إلى إسلامبول (استانبول) بعد فتح محمد الفاتح السلطان العثماني الشاب لها .

وقد شيدت هيلانه كنيسة القيامة سنة 335م، ثم دمرها الفرس بالتعاون اليهود أيام كسرى الثاني عندما انتصروا على البيزنطيين سنة مع 614م ، وقد أحرق اليهود والفرس جميع المعالم المسيحية عندما دخلوا القدس بقيادة كسرى الثاني .

وقد بنت هيلانه كل المعالم المسيحية في القدس وفي فلسطين، فهي التي بنت كنيسة القيامة عام 335 ، وكنيسة الجلجلة عام 336، وكنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة الصعود في جبل الزيتون، وكل الكنائس الهامة عند النصارى بنتها لهم هذه المرأة التي وصفت بلقب القديسة.. وكانت تحدد الأماكن بناء على رؤى ومنامات تظهر لها حسب زعمهم .

تعتبر كنيسة القيامة أهم المعالم المسيحية في العالم، وتشمل مجمعاً كبيرا من المباني ضمن مساحة أبعادها 80 × 66 مترا، والمباني الحالية تعود لعام 1869 بعد أن شبّ فيها حريق، وقد أصاب مبانيها عدد من القذائف اليهودية عام 1948 ، وقد تعرّضت ممتلكات الكنيسة للسرقة من اليهود بعد احتلال كامل القدس عام 1967م.

وقد دمرت كنيسة القيامة مرات عديدة أولها عام ٦١٤م، ثم أعاد بناءها هرقل عام 624م ، وزارها عمر بن الخطاب له عند فتحه للقدس سنة 637م /17هـ ، وقد طلب منه صفرونيوس بطريرك القدس أن يصلي فيها عندما أدركته الصلاة، ولكن عمر الله قال: لا، حتى لا يقول المسلمون فيما بعد هاهنا صلى عمر فيتخذون ذلك ذريعة لبناء مسجد في موضع الكنيسة ، ثم انتحى عمر ناحيةً خارج الكنيسة فصلى هناك .

من وكان المسلمون يرعون حرمة الكنائس والمعابد ويتركون للنصارى أحد حريتهم كاملة في عبادتهم وشؤونهم، ولم يحدث اعتدى حكام المسلمين على هذه الكنائس إلا في حالة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله المصاب بلوثة في عقله، وقد قام بهدم كنيسة القيامة بسبب مهاجمة الصليبيين لمصر واعتداءاتهم المتكررة عام (1010م)، وعمرت مرة أخرى في عهد خليفته الظاهر عام (1022م/5412)، وبقيت هذه الكنيسة مثل غيرها من الكنائس في رعاية المسلمين حتى أنَّ النصارى نتيجة اختلافاتهم الشديدة حول من يمتلك مفاتيح هذه الكنيسة وقتالهم المرير بسببها جعلوا هذه المفاتيح لأسرتين مقدسيتين مسلمتين ، وهما آل جودة (وكانوا يدعون قديما آل غضيَّة وهم من الأشراف)(1)، وآل نسيبة (وهم من الخزرج ينتسبون إلى امرأة تدعى نسيبة).

ويتكون بناء الكنيسة من أربعة أقسام رئيسية هي: الأناستاسيس القبة القائمة على الأعمدة فوق الصخرة التي يزعمون Anastasis وهي أن المسيح قبر تحتها، ثم الباحة التي تحيط بها الأعمدة من ثلاث جهات (الباحة المعمدة) وفي زاويتها الشمالية الشرقية صخرة يزعمون أن المسيح قد صلب عليها مع اللصين، وتلي الباحة الكنيسة الكبيرة والمكونة من خمسة أروقة، ويطلق عليها مارتيرون Martyrion وهي بطول ٤٥ مترا وعرض ٢٦ مترًا، وكانت مزخرفة بالفسيفساء والأيقونات الجميلة ، ويأتي بعد الاتريوم Atrium وهي الساحة الخارجية للكنيسة والتي يوصل إليها من خلال درج على الشارع، ويسمى Pyleum.

وقد وصف الرحالة ناصر خسرو في رحلته المسماة «سفر نامة» كنيسة القيامة عندما دخل القدس (438هـ / 1047م) فقال :

وهذه الكنيسة فسيحة تسع ثمانية آلاف رجل، وهي عظيمة الزخرف من الرخام الملوّن والنقوش والصور، وهي مزدانة من الداخل بالديباج (الحرير) الرومي والصور، وزينت بطلاء من الذهب، وفي أماكن كثيرة منها صورة عيسى عليه السلام راكبًا حمارًا، وصور الأنبياء الآخرين.. وفي هذه الكنيسة لوحة مقسمة إلى قسمين، فنصف يصِفُ الجنَّة وأهلها، ونصف يصفُ النار وأهلها .. وليس لهذه الكنيسة نظير في أي جهة في العالم .

وذكرها الإدريسي الرحالة المتوفى عام 560هـ/1165م، وقال أنها كانت تسمى كنيسة القمامة لأنها بنيت موضع قمامة قبل دخول قسطنطين النصرانية، لأن اليهود جعلوا موضع صلب المسيح قمامة نكاية في النصارى ، ووصف القبة التي تعلو الكنيسة ، وقال أنها من عجائب الدنيا، وللكنيسة باب ينزل إليه ثلاثين درجة، ويسمى باب سانت ماريه، وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة عندهم، ولها بابان وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحُصن تشييدها وأبدع تنميقها، وهذان البابان أحدهما يقابل الشمال حيث باب سانت ماريه والباب الآخر يقابله من جهة الشرق كنيسة عظيمة جدا ، وفي شرقي هذه الكنيسة مكان يزعمون أن المسيح حبس فيه ومكان المصلوبية، وفي القبة صور المسيح والسيدة مريم والأنبياء ويوحنا المعمدان. ويقوم القبر المقدس Holy Sepulcher تحت قبة كنيسة القيامة ، ويقسم القبر المزعوم إلى غرفتين، في وسط إحداهما حجر يقال أنه كان باب القبر، فدحرجته الملائكة حتى يخرج منه عيسى عند قيامه منه، وفيها  15 قنديلاً، والقبر مغطى ببلاطة كبيرة من الرخام، وقد علق في سقف القبر 43 قنديلاً.

وتحتوي الكنيسة على العديد من التحف والجواهر الكريمة وسيف بطرس الأكبر قيصر روسيا، وإنجيل قديم، وتحف عديدة.

 

العهد الإسلامي

في العهد الإسلامي بنى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مسجداً بالقرب من كنيسة القيامة، للدلالة على التعايش والتسامح بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.

وعندما حرر القائد صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين عام 1187 حافظ على الكنيسة، واحترم مكانتها الدينية، وبعد خلاف بين العائلات المسيحية حول من يقتني مفتاح الكنيسة، أشار صلاح الدين بأن يعطى المفتاح لعائلة مسلمة تكون هي المسؤولة عن الكنيسة، فوافق الجميع على ذلك، وأصبح يشرف عليها عائلتان مسلمتان، هما عائلة نسيبة التي تقوم بفتح أبواب الكنيسة وإغلاقها صباحاً ومساء، وعائلة جودة آل الحسيني التي تحمل مفاتيح الكنيسة وتحافظ عليها.

وجمعت كنيسة القيامة عددا كبيرا ومميزا من الفنون المعمارية منذ بنائها، ومثلت تزاوجا معماريا فريدا بين مدارس البناء المختلفة في الشرق والغرب، كما شكل تعرض الكنيسة لحوادث الهدم والحرق فرصة في كل مرة لإعادة بنائها وتجديدها، وإضافة ما يناسبها من الفنون التي تميز بها كل عصر من العصور.

ففي عام 1808 أتى عليها حريق كبير، دمر جوانب فنية عديدة، ورممت في ما بعد، وفي عامي 1834 و1927 تعرضت لزلزالين أثرا على أساساتها؛ مما حدا بسلطات الانتداب البريطاني إلى وضع دعامات حديدية وخشبية لحمايتها من الكوارث الطبيعية.

الإغلاق

ولم تسلم كنيسة القيامة كغيرها من الآثار الإسلامية من الانتهاكات الإسرائيلية، وفي 25 فبراير/شباط 2018 أعلنت الطوائف المسيحية في القدس إجماعها على إغلاق الكنيسة، احتجاجا على قرار بلدية الاحتلال فرض ضرائب على أملاك الكنائس فيها، وهو الإغلاق الثاني في تاريخها، والمرتان في ظل الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم الإغلاق سابقا قبل ثلاثين عاما، وتحديدا في 27 أبريل/نيسان 1990.