البراق هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف وقد كان ادعاء اليهود بملكيته سبباً في التوتر الذي نجمت عنه اضطرابات عنيفة في أب من عام 1929 بين العرب واليهود في القدس، وفي أنحاء عديدة من فلسطين وهو ما عرف بـ "ثورة

البراق".

لا يوجد مكان على الأرض تتنازعه مشاعر المسلمين وأتباع اليهودية مثلما هو الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، فهو يمثل بالنسبة لليهود أخر ما تبقى من هيكل سليمان الذي يهوي إليه فؤاد اليهودي منذ أن دمر الرومان الهيكل عام 70م وشتتوا عباده في كل اتجاه، وهو المكان الذي ركن إليه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم البراق المجنح الذي حمله من مرقده في ومعراجه إلى السماء مروراً ببيت المقدس. يسميه اليهود حائط المبكى حائط البكاء على ما حل بهيكلهم وأسلافهم، ويسميه المسلمون "حائط البراق". إسرائه عليه الصلاة والسلام .

لأكثر من ألف عام، كان الحائط وما جاوره جزءاً من الحرم القدسي الشريف، وقفاً إسلامياً خالصاً، إلا أن اليهود وبعد محاولات متكررة، استطاعوا أن ينتزعوا من الباب العالي - السلطة العثمانية انذاك فرماناً يبيح لهم الصلاة عنده وإقامة شعائرهم أمامه، شريطة عدم الإخلال بالوضع القائم واستفزاز مشاعر غيرهم من الطوائف التي تسكن المكان. حافظت سلطات الانتداب البريطاني، التي ورثت إدارة فلسطين بعد الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى على الحالة في الأماكن المقدسة استناداً إلى المادة (12) من صك الانتداب إلا أن اليهود أخذوا ومنذ انحسار السلطة العثمانية المسلمة، يقومون بمحاولات ترمي إلى تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة وكان مسعاهم في ذلك يهدف إلى تحقيق سيطرة يهودية طالما حلموا بها على الحرم القدسي الشريف. القائمة

تزايدت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وفاق عددهم مائة ألف منذ الانتداب البريطاني وحتى بداية 1929م، عدا الآلاف الأخرى من المتسللين غير الشرعيين بتسهيلات وافرة من حكومة الانتداب وفي تلك الفترة علت صيحات اليهود المطالبة بالحائط الغربي للمسجد الأقصى "حائط البراق"، والذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى"، وازداد عدد اليهود عند ذلك الحائط، وأصبحت ممارساتهم أكثر جرأة لإقامة طقوسهم الخرافية ونفخوا في الصور وأحضروا المقاعد والكراسي والموائد والمصابيح وهكذا حولوا المكان بحيث يحسبه الناظر كنيسا يهوديا، وخشي المسلمون أن يظل اليهود على هذه الحال فيكون ما فعلوه مكتسبا لهم مع مرور الزمن فغضب المسلمون، وعقدوا المؤتمرات وشكلوا اللجان لجنة الدفاع عن البراق "الشريف"، وأعطيت قضية البراق بعدا إسلاميا، بعد أن انتشر خبر نوايا اليهود الحقيقية تجاه هذا الحائط.

وفي تلك الفترة أخذ اليهود يعلنون بصراحة عن ما يسمى بحقوق لهم في المسجد الأقصى وحائط البراق، وشهد الموقف تصعيداً خطيرا من جانب اليهود خصوصاً أثناء المؤتمر الصهيوني العالمي في زيورخ بسويسرا 28 يوليو - 11 أغسطس 1929م). حيث كانت قضية حائط البراق القضية الرئيسة في المؤتمر.

ويشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف بطول حوالي 47 مترا وارتفاع حوالي 17 مترا، ولم يتخذه اليهود مكانا للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور العام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءا من الهيكل اليهودي، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال الدولة اليهودية قصيرة الأجل في العصور الغابرة. وجاء في الموسوعة اليهودية الصادرة عام 1917 أن الحائط الغربي أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية حوالي عام للميلاد للهجرة اليهودية إسبانيا الفتح العثماني عام وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين زادت زيارات اليهود لهذا الحائط حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة 1520 نتيجة من وبعد 1517

وفي يوم 14 أغسطس 1929م نظم اليهود مظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل شارك فيها الآلاف منهم حتى وصلوا إلى حائط البراق وهناك رفعوا العلم الصهيوني وأنشدوا أناشيدهم الدينية وأخذوا يهتفون "الحائط حائطنا.. والويل لمن يدنس أماكننا المقدسة وشتموا الرسول ﷺ والإسلام والمسلمين مما استفز مشاعر المسلمين وهيج عواطفهم.

وفي اليوم التالي 12 ربيع الأول 1348هـ الموافق (16 أغسطس 1929م) خرج المصلون بعد صلاة الجمعة من المسجد الأقصى في مظاهرة ضمت الآلاف من أهالي القدس والقرى واتجهوا نحو حائط البراق وحطموا منضدة لليهود كانت موضوعة فوق الرصيف وأخرجوا الاسترحامات التي وضعها اليهود في خروق الحائط وأحرقوها، وفي 17 أغسطس حدث اشتباك بين مجموعة من المسلمين وأخرى من اليهود أدى إلى 11 شخصاً جرح من الجانبين ووفاة رجل واحد من اليهود، فسارعت سلطات الانتداب إلى اعتقال عدد كبير من المسلمين مع زمرة قليلة من اليهود .

 

وفي يوم الجمعة 1929/8/23م تدفق أهالي القرى إلى القدس بأعداد كبيرة بعد أن تواترت الأخبار عن نية اليهود لشن هجوم على حائط البراق واحتلاله لتثبيت حقهم في ملكيته، وخرجت جموع المصلين من المسجد الأقصى ليجدوا أمامهم تجمعاً يهوديا يتحداهم، ووقع الصدام بين الطرفين، وفتحت شرطة الانتداب النيران على العرب وامتد الصدام إلى ضواحي المدينة وسرى هذا الهياج إلى القرى المجاورة، وانتشرت أخبار الصدامات في كل فلسطين فعمتها المظاهرات وتفجرت الثورة في أرجائها، وفي اليوم التالي قتل في الحي اليهودي في الخليل أكثر من 60 يهوديا، وهاجم المتظاهرون في نابلس أحد مراكز الشرطة، فنشبت اضطرابات عنيفة بسبب إطلاق

الشرطة النار على الجمهور وامتدت الاضطرابات إلى بيسان وحيفا ويافا، وهناك في يافا اقتحم اليهود وعلى رأسهم شرطي يهودي اسمه "جانكيز" بيت إمام مسجد، فقتلوه وبقروا بطنه وحطموا رؤوس ابن أخيه وزوجته وابنه كما هاجم اليهود مقبرة للمسلمين وعبثوا في القبور ودمر المسلمون من جهتهم ست مستعمرات يهودية تدميراً تاماً.

وفي صفد شاع الخبر بأن اليهود اعتدوا على المسجد الأقصى وهدموه وأحرقوه، فثار المسلمون وهاجموا الحارة اليهودية في صفد، ووصل عدد القتلى اليهود إلى 20 وجرح حوالي 25، وأحرق ودمر حوالي مائة بيت وتفاعلت أحداث البراق خارج فلسطين فقامت المظاهرات الاحتجاجية والتضامنية في الدول العربية المجاورة وأخذوا يتهيأون للزحف نحو فلسطين والاشتراك في واجب الجهاد.

وأوقفت سلطات الانتداب المئات من الشباب العربي المسلم واعتقلتهم إثر ثورة البراق وأصدرت بحقهم أحكاماً قاسية فصدر 25 حكما بالإعدام نفذ في ثلاثة منهم فؤاد حجازي، عطا الزير محمد جمجوم وبلغ عدد من حكم عليهم من العرب ما مجموعه 972 رجلاً، وحكم على قرى عربية كثيرة بدفع الغرامات، ووضع أكثر الوجهاء تحت الإقامة الجبرية، أما الأحكام على اليهود فقد تميزت باللين فقد حكم على عدد قليل منهم أحكاما مخففة

وحكم على يهودي واحد فقط بالإعدام، وهو الشرطي "جانكيز" قاتل إمام المسجد وعائلته، ثم خفف الحكم إلى المؤبد، ثم خفف إلى 15 عاماً! ثم عفي عنه! وشكلت الحكومة البريطانية لجنة تحقيق في أحداث البراق تقدمت بعدها بتوصية إلى عصبة الأمم المتحدة لتأليف لجنة لهذا الغرض، فوافقت ووصلت اللجنة المشكلة إلى القدس في 19يونيو 1930م، وأقامت شهرا، وعقدت خلال إقامتها 23 جلسة أبرز المسلمون خلال الجلسات 26 وثيقة وأبرز اليهود 35 وثيقة وقد انتهت اللجنة في تقريرها في ديسمبر 1930، ووافقت بريطانيا وعصبة الأمم على استنتاجها فأصبحت بالتالي وثيقة دولية مهمة وتلخصت استنتاجاتها في أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، وهو جزء لا يتجزأ من ساحة المسجد الأقصى الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة لأنه وقف أيضاً .

رموز الثورة

محمد أمين الحسيني

ولد محمد أمين الحسيني في القدس، وتلقى علومه فيها قبل أن يلتحق بالجامع الأزهر في القاهرة، وأدى فريضة الحج مع أهله سنة 1913 وهو شاب، فأُطلق عليه لقب "الحاج" ولازمه هذا اللقب حتى وفاته.

أرسله والده إلى إسطنبول سنة 1915 للدراسة، لكنه انتسب إلى الكلية العسكرية وتخرج فيها برتبة ضابط صف، والتحق بالثورة العربيّة بقيادة الأمير فيصل قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

عند بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين، عُيّن سنة 1918 مرافقًا خاصًّا للحاكم البريطاني العسكري، ولم يلبث أن استقال من منصبه احتجاجًا على سياسة بريطانيا المؤيدة للصهيونية، ومارس التعليم في كلية المعارف في القدس.

انتخب رئيسًا لـ"النادي العربي" في القدس، وهو أول تنظيم سياسي في فلسطين مناوئ لسياسة وعد بلفور.

حكمت عليه السلطات البريطانية سنة 1920 بالسجن غيابيًّا لتزعمه المظاهرات، فهرب إلى الكرك، ومنها إلى دمشق في العهد الفيصلي، لكنه عاد إلى القدس في العام نفسه بعد أن عفا عنه المندوب السامي السير هربرت صموئيل المعيّن حديثًا، وفاز بمنصب الإفتاء في مايو/أيار 1921 خلفًا لأخيه الأكبر كامل الذي توفي.

وفي يناير/كانون الثاني 1922 عيّن الحسيني رئيسا لـ"المجلس الإسلامي الأعلى"، واتهمه اليهود بتدبير "ثورة البراق" سنة 1929، غير أن الحكومة البريطانيّة برّأته.

 فرحان السعدي

الشيخ فرحان السعدي فلاح فلسطيني من مواليد 1856 بقرية المزار في جنين شمالي الضفة الغربية، هو أول من أطلق شرارة ثورة البراق في قضاء جنين مع مجموعة من المجاهدين الذين تصدّوا لسلطة الانتداب البريطاني بالتمرد والعصيان، فقبض عليه وسجن 3 أعوام في سجن عكا وسجن نور شمس.

وكان للسعدي أيضا دور كبير في اندلاع ثورة عام 1936، حيث ألقي القبض عليه مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم بحقه في نوفمبر/تشرين الثاني 1937.

عطا أحمد الزير

ولد عطا أحمد الزير في مدينة الخليل بفلسطين عام 1895، عمل بالزراعة وشارك بفعالية في ثورة البراق، قبض عليه وحوكم بالإعدام ونفذ الحكم فيه يوم 17 يونيو/حزيران 1930 في سجن القلعة بمدينة عكا.

فؤاد حسن حجازي

فؤاد حسن حجازي من مواليد مدينة صفد بفلسطين عام 1904، تلقى تعليمه الابتدائي في المدينة، والثانوية في الكلية الإسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية ببيروت.

شارك حجازي في ثورة البراق وحكم عليه بالإعدام، وهو أول من نفذ فيه الحكم يوم 17 يونيو/حزيران 1930، قبل زميليه محمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير.

محمد خليل جمجوم

ولد محمد خليل جمجوم في حي القزازين، في البلدة القديمة من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية عام 1902، وفيه تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب في أواخر العهد العثماني (1516-1917)، ثم أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت.

اشتغل محمد مع والده منذ الصغر في التجارة بين فلسطين ومصر، وحينئذ كان الاعتماد على الجمال في نقل البضائع.

كان جمجوم يستعد للزواج مع نهاية صيف 1929 بإحدى جاراته، لكن الانتداب البريطاني اعتقله يوم 27 أغسطس/آب 1929 قبل موعد زفافه بأيام، وظل رهن الاعتقال حتى إعدامه في 17 يونيو/حزيران 1930.

شهاداء ثورة البراق :